رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


صديقتي والكاميرا الخفية

حدثتني صديقتي قائلة: قبل شهر ذهبت مع شقيقتي لأحد المولات في مدينة الرياض لأشتري أنا وإياها ملابس لصغيرتينا بمناسبة زفاف أحد الأقارب واتفقنا أن نشتري نفس الموديل واللون لهما، دخلنا أغلب المحال وكانت أسعار الفساتين مبالغاً فيها بشكل كبير وبعد بحث متعب مضن استقر رأي شقيقتي على فستان معين ذهلت عند قراءتي سعره المعلق بكارت مخملي أنيق ولم أصدق وأحسنت الظن كعادتي وقلت ربما أن البائع أخطأ فزاد الرقم الأخير سهوا، وما أكثر مشاغل الحياة التي تجعلنا نسهو، نال الفستان إعجاب الصغيرتين بشكل كبير وإعجابنا أيضا مما جعلني أذهب للبائع بصفاء نية وحسن طوية لأخبره أنهم قد أخطأوا في التسعيرة وزادوا رقماً رابعاً، وفوجئت بابتسامة شماتة على وجهه وكأني به يقول:
لكل داء دواء يستطـب بـه .. إلا الحماقة أعيت من يداويها
''السعر صحيح يا خالة''، هكذا جاءني رده الصاعق والذي قابله مني رد فعل فوري ''معليش أخوي إذا هذي الكاميرا الخفية أرفض تصوروني ترى''!!
لكنه أكد لي أن الأمر لا كاميرا خفية ولا يحزنون وعندها أيقنت بأن الأمر مجرد ضحك على الذقون، ناقشت شقيقتي في مهزلة هذا الرقم لكنها قررت أن تشتري الفستان لطفلتها رغم الأقساط المادية التي ترزح تحت سياطها، أما أنا فلم أكن أرغب بكسر خاطر صغيرتي وفي الوقت نفسه لم أرد أن أكون مجرد مستهلكة حمقاء تجعل عقلها يغط في بيات شتوي لمجرد ''ماركة'' ربما كانت صناعتها قد تمت في ''البطحاء''، لذا قمت بتصوير موديل الفستان بجوالي وأوهمت صغيرتي بأن المحل سيوفر طلبنا خلال أسبوع فاقتنعت وهي تحلم بهذا الفستان الذي ستتباهى به هي وابنة خالتها في الزفاف، كنت في سباق مع الزمن فذهبت لمحال الأقمشة واشتريت قماشا مطابقا تماما لنوعية وشكل وخامة الفستان وأخذت مقاييس صغيرتي وذهبت لخياط نسائي وشرحت له الموديل بالتفصيل وحسب الصورة الملتقطة وخلال مدة بسيطة تسلمت الفستان وكان صورة طبق الأصل تماما من ذلك الفستان الفلكي ..!
وجاء حفل الزفاف وتباهت صغيرتي بفستانها مع ابنة خالتها واندهشت شقيقتي لأنني كنت أرفض دوما مبدأ الماركات والتلاعب في الأسعار وأخبرتها بالقصة فلم تصدق وما زالت غير مصدقة للآن!
أتعلمين كم كان سعر الفستان الذي اشترته شقيقتي (1500 ريال).
أتدرين كم كلف فستان صغيرتي (150 ريالاً) أي عشرة أضعاف الأول فما رأيك؟!
قلت لها: سنظل شعوباً مستهلكة إن لم نحاول أن نغيّر من سياستنا الاقتصادية التي تدور حول نظرة الغير وتقييمهم لنا من خلال فخامة سياراتنا وأثاثنا وملابسنا ومنازلنا وهذا ما يجعلنا نبتهج أول الشهر ونفتقر أوسطه ونسخط قبل آخره، حين ننشئ أجيالاً تهتم بالماركة أكثر من اهتمامها ببناء عقولها بالمعرفة والعلم والإبداع والإنجاز فإننا نسهم في تقدم الآخرين الذين يغرقون أسواقنا بالبضائع الماركات والتي لا تشكل لهم هاجساً أساسياً كما تشكل للبعض من شعوبنا العربية.. ولذلك هم يصبحون دولاً منتجة ونحن نظل دولا مستهلكة!
أتعلمين يا سيدتي أن إندونيسيا وصلت إلى خامس أكبر اقتصاد آسيوي وحصلت على الرقم 20 في تصنيف النمو الدولي، إن العالم من حولنا يركض بسرعة نحو النمو الاقتصادي ونحن ما زلنا نلهث خلف الاستهلاك غير المدروس.
أظنه آن الأوان أن نفكر تفكيرا مدروسا مثل صديقتي، أليس كذلك؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي