أسواق النفط في 2013: استمرار الوفرة في الإمدادات
التحديات التي تواجها أسواق النفط العالمية في العام القادم من المتوقع ألا تقل صعوبة عن تلك التي واجهتها في عام 2012 حتى الآن، حيث إن العديد من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية ستبقى نفسها مؤثرة في توقعات العرض والطلب وعلى حركة أسواق النفط العالمية في عام 2013. إن التوقعات للعام القادم تأتي في وقت لا تزال فيه أسواق النفط العالمية تواجه حالة كبيرة من عدم اليقين على جانبي العرض والطلب على حد سواء.
حيث إن الاقتصاد العالمي، بالتالي نمو الطلب العالمي على النفط، من المتوقع أن يواجه مخاطر من تداعيات أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، من الانحدار المالي الذي قد يواجه الولايات المتحدة في بداية العام المقبل، ومن التباطؤ الكبير في النمو الاقتصادي لعدد من كبار اقتصادات الأسواق الناشئة، بما في ذلك البرازيل والصين والهند.
بعد النمو الاستثنائي الذي شهده الاقتصاد العالمي في الفترة الممتدة بين عامي 2004 و2007، على خلفية الاعتقاد الذي ساد على نطاق واسع في حينه بأن العالم قد نجح في تحقيق نموذج اقتصادي جديد قائم على المعرفة الاقتصادية والعولمة الاقتصادية، تراجع الاقتصاد العالمي مرة أخرى إلى مستويات متدنية في السنوات الأخيرة. حيث إن العوامل التي نشطت النمو الاقتصادي خلال فترة الازدهار هي نفسها التي ساعدت على تحفيز النمو السريع وغير المستدام في الائتمان والديون. المطلوب الآن من بعض دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي إعادة السيطرة على اقتصادها من أجل عودة ميزانياتها الوطنية إلى حالتها الطبيعية. على ضوء المعطيات الحالية من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنحو 3 إلى 3.5 في المائة في عام 2013، تقريبا نفس معدل نمو عام 2012 نفسه مقارنة بمتوسط نمو 5 في المائة خلال فترة النمو الاستثنائي بين عامي 2004 و2007.
من ناحية الطلب على النفط، العوامل الرئيسة التي ستؤثر على نطاق واسع في معدل نمو الطلب العالمي على النفط في عام 2013 هي؛ أداء الاقتصاد العالمي، واتجاهات سياسات الحكومات في مجال الطاقة والاقتصاد، في هذا الجانب من المرجح أن تبقى أوروبا محور اهتمام الأسواق في العام المقبل. تشير التوقعات الأولية لعام 2013 إلى نمو الطلب العالمي على النفط بنحو 0.9 مليون برميل في اليوم، مقارنة بـ 0.85 مليون برميل في اليوم للعام الجاري.
كما هو الحال في هذا العام، هذا النمو سيكون مدعوما بالكامل بنمو الطلب في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي، على وجه الخصوص الصين والهند ودول الشرق الأوسط النفطية. حيث من المتوقع أن ينمو الطلب على النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي بنحو 1.4 مليون برميل في اليوم، سيأتي معظم النمو بصورة رئيسة من الصين، التي من المتوقع أن يرتفع الطلب فيها بأكثر من 0.5 مليون برميل في اليوم، وأيضا من الدول الأعضاء في منظمة أوبك، التي من المتوقع أن ينمو الطلب على النفط فيها بأكثر من 0.4 مليون برميل في اليوم. من جانب آخر، من المتوقع أن يتراجع الطلب على النفط في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي بأكثر من 0.5 مليون برميل في اليوم، حيث من المتوقع أن يتراجع الطلب في أوروبا فقط بنحو 220 ألف برميل في اليوم، وفي الولايات المتحدة بنحو 130 ألف برميل في اليوم.
الهبوط الكبير الذي شهدته معدلات التضخم في الآونة الأخيرة في بعض الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، على سبيل المثال لا الحصر في الصين، أدى إلى إرخاء السياسات النقدية فيها، لكن معدلات التضخم لا تزال مرتفعة في بلدان أخرى مثل البرازيل والهند، ما يعني أن خيارات السياسات النقدية في هذه البلدان ستكون صارمة أكثر من قبل، هذا يشمل في واقع الحال تقريبا جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي. نتيجة لذلك، من المتوقع أن يبقى الاقتصاد العالمي ومعدل نمو الطلب على النفط مستقرا إلى حد ما خلال الفترة حتى نهاية العام المقبل، لكن من المتوقع أن يبلغ ذروته في الربع الأخير من هذا العام والربع الأول من العام المقبل.
أما بالنسبة إلى منتجي النفط، فإن التحدي الرئيس في العام المقبل سوف لن يكون لتلبية نمو الطلب المتوقع على النفط، لكن لمواجهة استمرار الفائض في الإمدادات. حتى مع افتراض انخفاض إنتاج منظمة أوبك في العام المقبل بنحو 0.6 مليون برميل في اليوم مقارنة بإنتاجها الحالي نتيجة تشديد الحظر على صادرات النفط الإيراني، مع ذلك معدل الارتفاع في المخزون النفطي العالمي، بما في ذلك النفط في الخزانات البحرية، من المتوقع أن يصل إلى 1.0 مليون برميل في اليوم، عقب ارتفاعه بأكثر من 1.4 مليون في اليوم لهذا العام.
من ناحية العرض، الإمدادات النفطية من المنتجين من خارج دول منظمة الأقطار المصدرة للنفط Non-OPEC استمرت في تحدي التوقعات من وصول الإنتاج النفطي فيها إلى ذروته، حيث إن إنتاج السوائل الهيدروكربونية في هذه الدول، بما في ذلك الوقود الحيوي من المتوقع أن يرتفع في العام القادم بأكثر من 0.8 مليون برميل في اليوم رغم توقع استمرار بعض التوقفات الحالية، تقريبا أكثر من نصف هذا الارتفاع من المتوقع أن يأتي من أمريكا الشمالية فقط، على خلفية ارتفاع إنتاج النفط من طبقات الرمال المحكمة Tight Oil الغنية بالنفط في حوض باكن Bakken في ولاية داكوتا الشمالية، ومن طبقات السجيل الغازي الغنية بالنفط في ولاية تكساس، وانتعاش الإمدادات من المياه العميقة في خليج المكسيك، وكذلك الرمال النفطية الكندية. إضافة إلى ذلك، إنتاج دول منظمة أوبك من سوائل الغاز الطبيعي والمكثفات النفطية والسوائل النفطية غير التقليدية من المتوقع أن ينمو أيضا بنحو 0.3 مليون برميل يوميا في عام 2013.
لكن مع ذلك، من المتوقع أن يشهد بداية العام القادم بعض التشدد في التوازن بين العرض والطلب (مع استمراره لمصلحة العرض) مقارنة بالأشهر الأولى من عام 2012. حيث من المتوقع أن يكون الفائض في الإمدادات نحو 200 ألف برميل في اليوم فقط في الربع الأول من العام القادم مقارنة بـ 1.8 مليون برميل في اليوم في النصف الأول من العام الحالي. الفائض الكبير المتوقع في الإمدادات في الربعين الثاني والثالث من العام المقبل من المرجح أن تمتصه الحاجة لملء المخزونات الاستراتيجية في بلدان مثل الصين والهند.
إن التوقعات الحالية لنمو الطلب على النفط لعام 2013 مبنية على افتراض ظروف مناخية طبيعية في نصف الكرة الشمالي خلال فصل الشتاء، أي مناخ بارد في الشتاء، بدلا من الحالة غير الاعتيادية للطقس المعتدل التي سادت خلال السنوات الأخيرة في فصل الشتاء، هذه الأجواء المعتدلة إذا ما تكررت في عام 2013 أيضا فإنها ستؤثر سلبا في الطلب وتفاقم من الفائض في المعروض.