تقنين مسائل الرهن العقاري
جاء نظام الرهن العقاري المسجل في 49 مادة موزعة على فصول ثلاثة، وهو نظام يحكم مسألة رهن العقارات مقابل الديون وفق ما ورد فيه من أحكام، وبالتالي فإن هذا النظام لا يتناول مطلقا أحكام رهن المنقول، كما أن عبارة (المسجل) الواردة في عنوان النظام مقصودة من قبل السلطة التنظيمية التي أرادت أن يقتصر تطبيق النظام على حالات الرهن المسجل رسميا لدى جهة التوثيق المختصة، وهذا يؤدي إلى استبعاد الرهن غير المسجل، الذي يتم فيه تسليم الصكوك إلى الدائنين كضمانة لهم، كما أن العبرة بالتسجيل الرسمي فقط فلا يقوم مقامه أي توثيق خارج سلطة الجهات المختصة.
لقد تناول النظام الأوضاع التي يكون فيها العقار المرهون مسجلا وفقا لأحكام نظام التسجيل العيني للعقارات، لكن الرهن صحيح حتى إن لم يكن العقار مسجلا، أما الرهن فإنه لا يصح مطلقا ما لم يكن مسجلا، وهذا في غاية الوضوح من نص المادة الأولى من النظام التي أوردت في الفقرة (ج) أن الرهن لا ينعقد إلا بتسجيله ويلتزم الراهن بنفقات عقد الرهن والتسجيل والتجديد، وتدخل نفقات التسجيل ضمن دين الرهن ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، أما إذا كان العقار مسجلا وفقا لأحكام نظام التسجيل العيني للعقار فيكون تسجيل الرهن بحسب أحكام نظام التسجيل العيني للعقار.
إن أهمية الرهن العقاري يكسب الدائن حقاً عينياً على عقار معين يكون له بمقتضاه أن يتقدم على جميع الدائنين العاديين والتالين له في المرتبة في استيفاء دينه من ثمن ذلك العقار بأي يد يكون، وهي ضمانة لا يفوقها أي ضمانة، حيث يمكن للدائن المرتهن طلب بيع العقار المرهون لاقتضاء دينه، وهي الغاية المقصودة من الرهن سواء أكان المرهون عقارا أو منقولا.
إن أحكام الرهن، إجمالا، مفصلة في كتب الفقه الإسلامي ومع ذلك فإن تنظيم مسائل الرهن وفق ما يجري عليه التعامل في الأسواق، خصوصا في عالم التمويل المصرفي وغير المصرفي مع الأخذ في الاعتبار تحديد الجوانب الإجرائية والاختصاص وآلية التنفيذ على العقار المرهون والتزامات كل طرف في عقد الرهن، ضرورية كي يتم التعامل بالرهن في الوقت الحاضر وفق متطلبات السوق، لذا فإن نظام الرهن العقاري المسجل ليس سوى تقنين حديث يراعي المستجدات التي تخدم مصلحة التجارة والاستثمار وتزيل الغموض عن بعض المسائل ويحسم الخلاف في الجزئيات حتى يكون التعامل بين الأطراف واضحا ليس فيه ما يثير اللبس.
إن عقد الرهن عقد مستقل عن الالتزام الذي نشأ بموجبه الدين في ذمة المدين الراهن عقاره لمصلحة الدائن المرتهن، وقد نص الفقهاء على أن الرهن يصح في كل عين يجوز بيعها وما لا يجوز بيعه لا يصح رهنه ولا يلزم الرهن إلا بالقبض، والشيء المرهون أمانة في يد المرتهن إن تلف من غير تعد منه فلا شيء عليه ولا يسقط بهلاكه شيء من دينه، وإن تلف بعضه فما بقي منه رهن بجميع الدين إلى غير ذلك من التفاصيل والجزئيات التي تناولها الفقهاء مراعين في ذلك طبيعة المعاملات فيما قبل العصر الصناعي الحديث.
ولأهمية نظام الرهن العقاري المسجل فإن على الدائنين، وبالذات البنوك وشركات التمويل، مراعاة أحكام النظام والوقوف من خلال مستشارين قانونيين وماليين على التفاصيل، فهناك شروط أبطلها النظام حتى إن وردت في عقود الرهن العقاري، وهما شرطان نصت المادة الـ20 من النظام على أنه لا يصح أن يشترط في عقد الرهن أن تكون منافع المرهون للمرتهن، وللمرتهن بموافقة الراهن تحصيل غلة المرهون على ألا ينتفع بها، كما يبطل شرط أن يتملك المرتهن المرهون مقابل دينه إن لم يؤده الراهن في أجله المعين، وفي كلتا الحالتين الرهن صحيح والشرط فاسد.
لقد تخوف البعض من نظام الرهن العقاري المسجل واضعين في تصورهم أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، ومتخوفين من تكرارها في المملكة، والحقيقة أن هذا التخوف لا مبرر له إلا إذا وجدت المبررات ذاتها التي أدت إلى الأزمة في الولايات المتحدة، حيث تخطت المصارف هناك ضوابط التمويل التي وضعتها، وهي سياسات وإجراءات ذات طبيعة بنكية تراعي حجم المحافظ الاستثمارية المخصصة لتمويل العملاء وضمانات البنوك في تحصيل ديونها، وهي خطوط حمراء تم تجاوزها في ظل تنافس محموم بين البنوك الممولة لشراء العقارات حتى بلغ الحال بالبنوك أن قبلت تمويل المتقاعدين وغير الموظفين على وظائف ثابتة متجهة نحو قبول إيجارات العقارات كضمانة للسداد، ثم تحولت إلى قبول تحويل الدين من عميل إلى عميل آخر، وكان الأسوأ أن قبلت تمويل العميل الواحد لشراء أكثر من عقار في حين أن ذمة العميل مشغولة بدين قائم ولم يسدد بعد، وهذا كان كافيا لجعل العرض أكثر من الطلب بعدة أضعاف حتى فقدت السوق أهم عنصر، وهو السيطرة على الديون وإمكان تحصيلها عمليا.
إن نظام الرهن العقاري المسجل لم يأت يتيما، بل ولد معه حزمة من الأنظمة التحفيزية للسوق العقاري، بل يمكن القول إنه متى أنشئت شركات للتمويل العقاري فإن لدينا قطاعا كاملا جديدا سيولد بدعم من البنوك التي لن تتأخر وهي ترى حجم الحصة السوقية الضخمة التي تنتظرها، ومما يلفت الانتباه أن هناك مشكلة تحتاج إلى حلول عملية، وهي: أين الأراضي التي يمكن تطبيق التمويل العقاري عليها؟ فهناك شح شديد، بل نقص كبير عن تلبية حجم الطلب المتوقع، وإذا كانت الهيئة العامة للإسكان تواجه معضلة في توفير الأراضي لمشاريعها الحكومية فكيف بالقطاع الخاص الذي قد يقف أمام عائق لا يمكن تجاوزه دون تكاليف عالية تؤثر حتما في مقدار التمويل وشروط ملاءة العملاء بما يقلل من العدد المتوقع للمستفيدين من التمويل العقاري في حلته الجديدة.