الصحافة المصرية العريقة.. تعاني خطر الإفلاس
تعتبر الصحف المصرية من أقدم الصحف في منطقة الشرق الأوسط إن لم تكن أقدمها على الإطلاق، فعمرها تجاوز الـ 137 سنة بصدور صحيفة ''الأهرام'' القاهرية في عام 1876، وإذا جازت المقارنة، فإن الصحافة السعودية يعود تاريخها إلى 90 سنة بصدور صحيفة أم القرى في عام 1924 من مكة المكرمة.
وفي الأسبوع الماضي ناقش مجلس الشورى المصري المنحل في جلسات عاصفة تقريرا رفعته لجنة الثقافة والإعلام حول الخسائر التى تعانيها الصحافة القومية (الحكومية)، وبالذات مؤسسات الأهرام والأخبار والجمهورية والمعارف والهلال، ولقد أشار التقرير إلى أن بعض المؤسسات الصحفية تقترب من الإفلاس، وهي في موقف لا يحسد عليه، وجاء في التقرير إن أكثر ما تعانيه المؤسسات الصحفية القومية هو صغر حجم رؤوس أموالها، حيث يبلغ رأسمال مؤسسة الأهرام 150 مليون جنيه مصري فقط (90 مليون ريال تقريباً)، وتطبع ''الأهرام'' مليون نسخة يومياً، ويصل عدد موظفيها إلى نحو 20 ألف موظف، بينما يبلغ رأسمال صحيفة ''عكاظ'' 200 مليون ريال، وتطبع نحو 170 ألف نسخة يومياً، ولا يتجاوز عدد موظفيها 800 موظف، كذلك لا يتجاوز رأسمال مؤسسة أخبار اليوم الـ 150 ألف جنيه، بينما يصل رأسمال وكالة أنباء الشرق الأوسط نحو 50 مليون جنيه فقط.
طبعاً رأس المال الضعيف لا يمكن المؤسسة الصحفية من تنفيذ البرامج والمشاريع التطويرية لأن المشاريع التطويرية تحتاج إلى مال حتى يتم تنفيذها.
وذكر التقرير بأن خسائر المؤسسات القومية في عام 2011 بلغت نحو 440 مليون جنيه، أمّا إجمالى الخسائر المتراكمة على المؤسسات الصحفية القومية (الحكومية) وصلت إلى 3.530 مليار جنيه.
ولقد حمّل التقرير رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير المتعاقبين مسؤولية هذه الخسائر التي جاءت نتيجة القرارات الخاطئة التي اتخذوها، ولذلك وضع التقرير معايير موضوعية لاختيار رؤساء تحرير الصحف القومية، واشترطت المعايير في رئيس التحرير الكفاءة المهنية والإدارية والابتكار والإدارة الرشيدة، كما اشترطت فيه أن يكون مجيداً للغة العربية وملماً بلغة أجنبية واحدة على أقل تقدير، كذلك ُاشترط التقرير في رئيس التحرير تقديم برنامج يوضح فيه خططه الاستراتيجية الرامية إلى النهوض بالصحيفة من الناحية الصحفية والمهنية والمالية، وأن يكون نظيف اليد ولم يتورط في وقائع فساد أو سوء إدارة أو إهدار المال أو أي قضايا مخلة بالشرف، كذلك اشترط التقرير في رئيس التحرير ألا يكون ممن له علاقات مشبوهة مع جهات أجنبية، وأن يقدم أرشيفاً صحفياً يحتوي فكره ورؤاه وإبداعاته، وحدد التقرير فترتين فقط لتولي رؤساء التحرير المسؤولية الفترة الأولى ثلاث سنوات وتجدد لمرة واحدة فقط، ثم يبرح كرسي رئاسة التحرير، وتعتبر أرقام التوزيع شرطاً رئيساً للتجديد.
وإذا قرأنا هذا الذى يحدث للصحافة القومية المصرية، فإننا نجد بأن الاقتصاد المصري يعاني تعطل محركاته الأساسية، فالناتج المحلي الإجمالي ينخفض من 5 في المائة إلى 1.6 في المائة، والاستثمارات الأجنبية تتراجع إلى الصفر، والمحاكم تلغي صفقات بالمليارات تم تنفيذها في العهد السابق، والسياحة كمورد رئيس تسجل أرقاماً متواضعة، وأكثر من 1600 مصنع ــــ منذ اندلاع الثورة في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 ــ تقفل أبوابها، ومئات الآلاف من العمال يتعطلون ومعدلات البطالة ترتفع إلى أعلى معدلاتها، والاحتياطي يتراجع إلى مستويات متدنية، ونتيجة لذلك تسجل الصحف المصرية القومية تراجعاً ملحوظاً في التوزيع والإعلان.
في المؤتمر الصحفي، الذي عقده الفريق أحمد شفيق قال إنه لا يعتبر نفسه محسوباً على النظام السابق، وإنه يمد يده لكل المصريين، وإنه يتعهد بتنفيذ كل مطالب الثورة، وبالذات فيما يتعلق بحقوق شهداء الثورة، وإنه يوافق إجمالاً على وثيقة العهد التى طرحتها القوى السياسية، ولكنه تحفظ حينما قال إن بعض نصوص الوثيقة تحتاج إلى مناقشة.
أمّا محمد مرسي فقال في مؤتمره الصحفي إنه غير راض عن الأحكام التى صدرت عن محكمة جنايات القاهرة ضد الرئيس السابق وبطانته، وإنه إذا بلغ الرئاسة سيعيد محاكمة أركان النظام السابق، ويتيح للقضاء المصري الشامخ أن يصدر حكمه القضائي العادل تجاه من ضيعوا مصر، وأفسدوا الحياة السياسية فيها.
واضح من كل هذه الأحداث والتناقضات التي تمر بها مصر في هذه الأيام بأن انتعاشة سوق الصحافة القومية المصرية مرتبطة بتحسن ملحوظ في ''محركات'' الاقتصاد والسياسة المصرية، لأن الصحافة القومية المصرية هي جزء لا يتجزأ من الحياة السياسية والاقتصادية في مصر.