كيف سيكون تقدير النفقة بعد «ملتقى القضايا الأسرية»؟ (2 من 2)

من هذه المستجدات: (1) استخدام أدوات ومستلزمات أصبحت ضرورية من ناحية صحية ووقائية. (2) اتساع المدن والحاجة إلى وسائل مواصلات تختلف تسعيرتها ونوعيتها بدون توحيد معايير أو تحديد وسائل. (3) التعليم المبكر في رياض الأطفال الذي أنشأت له وزارة التربية والتعليم إدارة عامة بأهداف ومهام لإعداد الطفل لدخول المرحلة الابتدائية بكل اقتدار. (4) التأمين الصحي جاء ليضيف عبئا جديدا في تقدير تكلفة التطبيب أو العلاج وهو في طريقه ليكون إلزاميا. (5) أما إذا أصبحت الأم أو الطفل في حاجة إلى علاج مستمر بعد الإصابة بمرض مزمن مثلا وأصبحت تكلفته عالية، أو في حاجة إلى خادمة أو ممرضة خاصة لأي عارض يتطلب ذلك، فالنتيجة هي معادلة صعبة تحتاج إلى تعويض جيد لوضع التقدير الذي يتناسب مع الوضع والوقت الحالي. (6) هذا طبعا إضافة إلى ما يبتكر من أساليب الخداع والمراوغة التي تمكن الأب من التملص من دفع النفقة كان يعتبر نفسه طالبا أو يستخرج عقود إيجار بطرق ملتوية.. إلخ، ولا يتم اللجوء لاستكمال دفع النفقة من الجد مثلا. كل ذلك جعل عملية التقدير تخرج من كونها بسيطة إلى معقدة، وبالتالي استلزم معالجة تطور الأوضاع باستخدام تقنيات العصر وربط الأجهزة المختلفة، مستفيدين من مشروع الحكومة الإلكترونية خير استفادة.
من ناحية غلاء الأسعار الذي لاحظته جميع الجهات المعنية وبدأت في التصدي له سيكون تحت مناظير متعددة إذا ما جمعت البيانات الخاصة بالسنوات الخمس أو العشر الأخيرة وحللت وقورنت بطريقة رياضية متخصصة. هذا سيكفل حساب قيمة المتطلبات الأساسية شهريا للأطفال من عمر ''يوم واحد'' إلى ''15 عاما''، وسيكون مبنيا على مؤشرات تراعي زيادة الأسعار المتتالية وتنوع الاحتياجات وتأخذ في الاعتبار المستجدات كافة. البرنامج الحاسوبي سيعرض تقديرا لما يفترض أن ينفقه الأب على المولود الواحد بعد قراءة جميع المعلومات المسجلة لدى الجهات المعنية كالتأمينات الاجتماعية ومؤسسة النقد ووزارة التجارة ومصلحة الزكاة والدخل.. إلخ. الحزمة الممكن إضافتها للبرنامج الـ Decision Support System ستمكن القاضي من إنهاء القضية في جلسة أو اثنتين، وتتيح له إنجاز أعمال أخرى، وبالتالي تتحقق عوامل كالسرعة والدقة والتوثيق في الإنجاز. هنا سيتم التغلب على كثير من الأساليب الملتوية ولا تكلف الأم فوق طاقتها وينشأ الجيل بارا بأبويه وهو محفوظ الحقوق بعيدا عن أي انحراف يمكن أن يسببه تناحر أو غل بين الأبوين ينشأ عادة بانهيار عقود الأنكحة.
عموما فإن هذا الانفتاح على التخصصات الاجتماعية والنفسية والأخرى المهمة في تنظيم وتسهيل وتسريع إصدار قرارات وأحكام شرعية ملائمة وفاعلة لسنين طويلة لكفيل بأن يحد من اندفاع أفراد المجتمع نحو التشفي في بعضهم بعضا، واختيار التنازع خيارا وحيدا لحل المشكلة بدلا من اللجوء إلى الهدوء والجلوس للاتفاق والتصالح لتحقيق قول الله تعالى ''والصلح خير''؛ حيث كرم النفس وسماحة الطباع. هذه السماحة وحسن التقدير ستنشئ أجيالا تقتدي بآباء لم يضرهم إن استحالت المعيشة بينهم تحت سقف واحد وعزموا أن يربوا وينشئوا أبناءهم بعيدا عن الحقد والغل والكراهية وليكونوا فعلا خير أمة أخرجت للناس.
لا شك أن ملتقى مثل الذي تبنته وزارة العدل سيكون بمثابة خارطة طريق لنظام يؤمل أن يجنب المجتمع الكثير من المهاترات ويحفظ حقوق الأبناء لمستقبل نعلم جيدا أنه صعب وفيه المسلمون مستهدفون لا محالة. الآن وبعد الاعتماد على الدراسات العلمية في هذا الخصوص وتبني تسريع الإجراء باستخدام التقنية أجد أننا سنحتاج إلى تسريع تنفيذ ما خلص إليه المجتمعون وجعل نظامنا القضائي أنموذجا يحتذى به أو يقارن في كثير من البلدان.
إن الفائدة من القيام بالدراسات واستخدام التقنيات الحديثة والاستفادة من تداخل التخصصات تكمن في: (1) تغليظ حرص الآباء على صيانة العلاقة الزوجية وتكوين أسر مستقرة وعاملة ومنتجة في المجتمع. (2) ضمان رعاية حسنة للأبناء - بعد افتراق الأبوين - لا تشوبها مسائل مالية أو تناحرية بسبب موضوع أصبحت تتحكم فيه عوامل خارجية عديدة تم التطرق لبعضها. (4) ضمان سير المخصصات من دون انقطاع أو تسبب في انقطاعها تدخل غير مشروع. في هذا الموضوع إيقاف لأي أساليب ملتوية يمكن أن تتبع من بعض أفراد المجتمع يؤثرون بها على اللحمة والألفة التي وسم بها مجتمعنا السعودي لعقود طويلة ولله الحمد. (3) الحرص على نشأة أجيال يبرون آباءهم وأمهاتهم مهتدون ومهديون، بإذن الله. (5) تجنيب الأجيال تبني عادات ومفاهيم سلبية نتيجة ضيق اليد أو قلة المصاريف فتسوقهم لمنحدر المسكرات والمخدرات والعنف والانحراف وغيرها من الظواهر غير المبررة في مجتمعنا. (6) مواكبة مستجدات العصر تحت مظلة الشريعة السمحاء، ما يؤكد أن الإسلام دين لكل عصر ولجميع البشر.
من المؤكد أن الدراسات الميدانية المتعمقة في كل المجالات ستؤدي إلى فض الكثير من المنازعات وتقليص وتقليل الثغرات التي يمكن للإنسان أن يتخذها ذريعة للمراوغة والمناورة. كما ستكون، بإذن الله، عونا للقضاة على تحمل كثير من المهاترات التي تستجد في عصر نسأل الله فيه السلامة من كل شر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي