تواضع نصيب المملكة في الصناعة البحرية العالمية
على الرغم من سمات النفط والجغرافيا والتكامل الصناعي التي يختزلها الاقتصاد السعودي، إلا أن نصيبه من الصناعات البحرية العالمية، التي تربو على 630 مليار دولار لا يكاد يذكر. واقع يستأنس إعادة النظر في المكانة الحالية للاقتصاد السعودي في خريطة هذه الصناعات العالمية، ما من شأنه تطوير صناعة وطنية جديدة تسهم بشكل رئيس في احتواء جمهور الشباب السعودي وتوظيفهم فيها وتنويع مصادر الدخل للاقتصاد السعودي أسوة بما فعلته من قبل الصناعات النفطية والبتروكيماوية السعودية.
نقصد بصناعة بحرية متكاملة تلك الصناعات التي تندرج ضمنها قطاعات نقل البضائع، والنفط والغاز، والمعدات البحرية، وبناء السفن، وخدمات الموانئ، والأبحاث البحرية والتطوير، والتجارة البحرية، وتقنية المعلومات البحرية، والملاحة البحرية، والاتصالات البحرية.
يشير تقرير صادر من المعهد الأيرلندي للصناعات البحرية إلى أن إجمالي حجم هذه الصناعات البحرية على مستوى العالم يبلغ قرابة 630 مليار دولار. يتوزع هذا المبلغ على الصناعات العشر أعلاه بنسب مختلفة باستحواذ قطاع نقل البضائع على النصيب الأكبر (49 في المائة)، فقطاع النفط والغاز (18 في المائة)، فقطاع المعدات البحرية (15 في المائة)، فقطاع بناء السفن (8 في المائة)، فقطاع خدمات الموانئ (5 في المائة)، وتتوزع النسبة الباقية بين قطاعات الأبحاث البحرية والتطوير، والتجارة البحرية، وتقنية المعلومات البحرية، والملاحة البحرية، والاتصالات البحرية.
كما يشير التقرير ذاته إلى أن نصيب منطقة الشرق الأوسط من هذه السوق العالمية لا يتعدى 5 في المائة فقط، أي قرابة 32 مليار دولار. وعندما ننظر إلى نصيب الاقتصاد السعودي من ضمن نصيب الشرق الأوسط، فإن النسبة تعد متواضعة جدا إذا أخذنا في الاعتبار حجم الصناعة السعودية في النفط ومشتقاته، وجغرافية المملكة وسواحلها، علاوة على التكامل الصناعي المنشود مع الصناعات النفطية والبتروكيماوية والتعدينية.
يقودنا حجم قطاع نقل البضائع إلى النظر في دوره المحوري في التجارة العالمية. تشير دراسة صادرة في 2009 من مركز كلاركسون للدراسات البحرية إلى أن إجمالي حجم البضائع المنقولة عبر النقل البحري بلغ قرابة ثمانية مليارات طن من البضائع نهاية 2008. وتوقعت الدراسة أن ينمو حجم البضائع المنقولة عبر النقل البحري ليصل إلى قرابة 23 مليار طن نهاية 2026.
تتنافس مجموعة من الدول في تطوير صناعات في النقل البحري. تشير إحصاءات المنظمة البحرية الدولية إلى أن قرابة 70 في المائة من البضائع المنقولة عبر النقل البحري هي صادرات من أسواق الدول الناشئة يقابلها قرابة 56 في المائة عبارة عن بضائع واردة إلى هذه الأسواق. تحتل كل من بنما وليبيريا وجزر المارشال وهونج كونج وجزر الباهامز المراتب الخمس الأولى في عدد السفن المسجلة لديها، وبالتالي الحاملة لأعلامها الوطنية. وتحتل كل من اليابان واليونان وألمانيا والصين وأمريكا المراتب الخمس الأولى في عدد السفن المملوكة، وبالتالي الحصول على أكبر المنافع الاقتصادية من أنشطة النقل البحري.
كما تشير إحصاءات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى التغيّر في نوعية البضاعة المنقولة عبر النقل البحري، حيث كان النفط يمثل قرابة 56 في المائة من إجمالي البضائع المنقولة في 1970. ثم انخفضت نسبة النفط المنقول خلال العقود اللاحقة لتصل إلى قرابة 34 في المائة من إجمالي البضائع المنقولة في 2009. حدث هذا الانخفاض في نسبة النفط المنقول لصالح النمو في نسبة البضائع الجافة المنقولة عبر النقل البحري، حيث كانت البضائع الجافة تمثل قرابة 26 في المائة من إجمالي البضائع المنقولة في 1970. ثم ارتفعت نسبة البضائع المنقولة خلال العقود اللاحقة لتصل إلى قرابة 42 في المائة من إجمالي البضائع المنقولة في 2009.
وعلى الرغم من معدل نمو صناعة النقل البحري على الصعيد الدولي ومكامن الجذب التي تختزلها هذه الصناعة العملاقة، إلا أنها لا تخلو من تحديات الوقود والجغرافيا والتكامل الصناعي التي نستقرئها من واقع التقرير السنوي الأخير لوزارة النقل الأمريكية. حيث أكّد التقرير نمو معضلة وقود السفن من النفط ومشتقاته المختلفة كأحد التحديات الرئيسة التي تواجه صناعة النقل البحري على الرغم من التطور الفني في سرعة السفن على مر العقود الماضية وإسهاماته في تقليل استهلاك الوقود.
تقودنا هذه التحديات إلى النظر في السمات التي يحتضنها الاقتصاد السعودي، والتي من الممكن أن تحقق تميزا نوعيا لصناعة النقل البحري السعودي متى استثمرت الاستثمار الأمثل. فترتيب إمدادات المشتقات النفطية من مصافي النفط السعودية في حدود الأسعار الحكومية المخفضة ستسهم في الإسراع في تغطية تكاليف إعادة هيكلة الصناعة. وامتداد السواحل على مسافات تربو على 1500 ميل بحري موزعة بين شرق المملكة وغربها وفي منطقة جغرافية تربط قارات العالم وواقعة على خطوط التجارة البحرية ستسهم في زيادة جاذبية هذه الصناعة. والتكامل الصناعي المنشود بين الصناعات النفطية والبتروكيماوية والتعدينية بين الجبيل الصناعية ورأس الخير في الشرق وينبع الصناعية ورابغ في الغرب، سيسهم في إمداد هذه الصناعة باحتياجاتها من المواد الأولية لصناعة السفن وصيانتها علاوة على نقل بضائعها.
إن استثمار هذه السمات من النفط والجغرافيا والتكامل الصناعي من الأهمية أن يكون ضمن مبادرة وطنية عليا تتبع ما حدث من تطور الأسبوع الماضي في قطاع النقل البحري السعودي من مبادرة اندماج بين الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري وشركة فيلا للملاحة البحرية المملوكة لـ''أرامكو السعودية''. مبادرة من الأهمية أن تضع حجر الأساس لصناعة بحرية سعودية متكاملة تزدهر على ضفاف الخليج العربي والبحر الأحمر خلال العقود المقبلة، كما ازدهرت من قبل صناعتا النفط والبتروكيماويات. صناعة تستهدف أن تكون صناعة عالمية متكاملة تتناسب مع مستهدفات الاقتصاد السعودي خلال العقدين المقبلين.