رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


استيراد مستهلكين

حينما يلفظ نموذج مستهلك أنفاسه الأخيرة تبدأ الغرائب والمتناقضات في الظهور؛ نقطة التحوّل استرشاداً بما يذكر محمد العريان "المعتاد الجديد" في وصفه لعملية الانتقال من حالة إلى حالة أو مرحلة إلى مرحلة أخرى. أتت على بالي الحاجة إلى فهم أهمية المؤشرات الكلية من خلال قراءة أحداث قد تبدو صغيرة، قبل أسابيع قليلة وقعت حادثة في الرياض لأحد المعارف حين هجم عليه شخصان على عجلة نارية وسلبا كل ما لديه في وضح النهار فركب سيارته ولحق بهما وأثناء محاولة هروبهما في الاتجاه المعاكس تعرضا لحادث أدى إلى إصابتهما وربما موتهما، لم يستطع صاحبنا التوقف فأصبح جزءا من الحادث وبالتالي وفاتهما. تبين من التحقيق الأولي أن الاثنين من غير المواطنين وأصحاب سوابق. هنا ينتهي الوصف الظرفي وللتحقيق مجراه الذي يخضع لأصحاب الاختصاص الجنائي والتنظيمي، ويبدأ محاولة فهم الظاهرة من جوانبها الاقتصادية والاجتماعية.
في تعليق لا يخلو من الدقة وتعليقاً على ظاهرة التستر ومساعي هيئة الاستثمار في عهدها السابق. ذكر أحد الكُتاب أننا نستورد تجاراً وليس مستثمرين أو مبدعين، ولكن يبدو أن الأمر بدأ يتطور تدريجياً إلى استيراد مستهلكين. الأغلبية الواضحة من غير المواطنين قدموا لكسب عيشهم والمساهمة بجهودهم وحاجتنا لهم، ولكن التكلفة المجتمعية اقتصادياً غيّرت موازين المعادلة في غفلة أو تغافل منا، وهذه لا تخلو من اختلاف في المصالح بين طبقات وفئات المجتمع والتساهل في تنفيذ الأنظمة. ولكن لكي تكون الأنظمة قابلة للتنفيذ يجب أن تنبع من نموذج اقتصادي متماسك وقابل للاستدامة وذات منفعة وطنية في المديين المتوسط والبعيد، بعيداً عن النفعية القصيرة الأجل. في ظل غياب البيئة الصحية ينشأ نظام "بديل" غير متماسك وذو عيوب مؤثرة ولا يخدم أحداً في المدى الطويل وإن بدأ يخدم مصالح ضيقة في البداية.
الحادثه شنيعة مأساوياً على أهل المتوفين وعلى المغدور به وعائلته وعلى المجتمع فلها بُعد إنساني، ولكنها أيضا حالة تطرُّف تحمل مدلولات لا يمكن التغاضي عنها. فجعلت اقتصاد المملكة مرتعاً استهلاكياً يراهن على أرخص عمالة ممكنة، وبالتالي في حرب مع تكلفة العمالة السعودية وجعل تكلفة المنافع غير ذات ارتباط اقتصادي لا مع تكلفة إنتاجها الاستمرارية أو مقارنة بدول المنطقة والعالم ولا مع مصالح المواطن مقابل غير المواطن إلى حد أن الهجرة للمملكة أكبر من نسبة النمو السكاني، لدليل فاضح على استهلاك النموذج. هذه الحادثة المأساوية بمنزلة نقطة تحول إلى "المعتاد الجديد" على استهلاك النموذج.
يقابل استعدادنا لاستيراد مستهلكين رغبة أمريكية في استيراد مغامرين ومبادرين ونابغين من الطلاب الأجانب لديهم. هذه مظاهر لإشكالية تنموية أعمق لا يمكن التعامل معها دون إعادة النظر في النموذج التنموي برمته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي