رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الطريق إلى السعودة: الأجور

قدمنا في الأسبوع الفائت نظرة عامة حول مفهوم ''السعودة'' التي تعني تشغيل كل سعودي قادر على العمل، وبالتالي تقليص الاعتماد على العمالة الأجنبية إلى الحد الأدنى الممكن. والمفهوم هذا تقابله مرادفات ذات مدلولات متشابهة في دول الخليج العربي الأخرى، منها ''الأمرتة'' و''القطرنة'' وغيرها.
قد لا يختلف اثنان اليوم على أن وضع العمالة الأجنبية يشكل أكبر تحد لهذه الدول ولكنني أزيد وأقول إن العمالة الأجنبية بشكلها الحالي الذي يرقى في بعض تفاصيله إلى مفهوم الاتجار بالبشر من أجل كسب المال بمثابة كارثة ستحل على هذه الدول حالما شعر الغرب بأن مصالحه مهددة فيها. والغرب معروف عنه استغلاله مشكلات إنسانية محددة لتحقيق غايات سياسية واقتصادية وحتى دينية. كلما طال أمد الوضع الراهن المتمثل بالاعتماد على الأجنبي، زادت صعوبة تطبيق مفاهيم مثل ''السعودة'' و''الأمرتة'' و''القطرنة'' وغيرها. بعض الدول الخليجية الصغيرة ربما فاتها قطار الإصلاح في هذا الإطار للخلل الكبير الذي أحدثته العمالة الأجنبية في التركيبة السكانية، حيث صار الأجانب أساس الديموغرافيا لأن البنى التحتية للاقتصاد يتم تطويرها والاستثمار فيها كي تلبي متطلبات إقامتهم ووجودهم وهي أساسا موجودة لخدمتهم.
الأمر يختلف مع بلد الحرمين. السعودية لها مقومات بشرية إن تم استغلالها بطريقة علمية اقتصادية وإنسانية سليمة لاختلف الوضع السكاني والاقتصادي والتشغيلي وقطف الكل ثمار ''السعودة'' التي لا بد أن تؤدي إلى تحولات إيجابية في هيكلية الاقتصاد والتشغيل والعمالة وتكون لها نتائج طيبة على مستقبل البلد في شتى المناحي.
وإن وضعنا مقومات محددة لتطبيق ''السعودة'' لظهر لنا أن الأجور ربما ستأتي في مقدمتها. الاقتصاد السعودي يعتمد على العمالة الأجنبية، ولا سيما الرخيصة منها، إلى درجة صار فيها أصحاب العمل يؤمنون بأن مصالحهم الاقتصادية ستنهار دونها. وما يمكّن أصحاب العمل استقدام العمالة الأجنبية وأعداد غفيرة تفوق حاجة البلد هو متانة العملة المحلية المدعومة بسعر صرف ثابت تقريبا وواردات هائلة بالعملة الصعبة من مبيعات النفط.
بينما بإمكان الأجنبي التأقلم مع أجر متدنٍ جدا لأنه يحسب دخله ضمن نطاق القوة الشرائية لعملته الوطنية في البلد الأصلي، فإن الأجر ذاته لا يوفر عيشا كريما للسعودي الذي يحسب قوته الشرائية ضمن نطاق وطنه، حيث مستوى المعيشة مرتفع نسبيا. وهكذا ليس بإمكان السعودي التنافس مع الأجنبي في سوق عمل مفتوحة على مصراعيها أمام استقدام عمالة أجنبية. وهنا لا نتكلم عن الوظائف المهمة، بل عن المهن التي تتطلب عمالة كثيفة ومهن لا يقبل المواطن السعودي القيام بها في وضعها الراهن.
وأظن أن السبب الرئيس لعزوف الشباب عن الدخول في سوق العمل بالنسبة لمهن محددة هو الأجور. لو مُنح العاطل عن العمل أجرا مجزيا يوفر له سكنا مريحا وعيشا كريما ويمكنه من اقتناء الماديات الأساسية مع بعض التوفير، لدفع الشباب بأنفسهم إلى سوق العمل طوعا.
وهذا ما يحث في الدول الإسكندنافية، حيث همّ الشباب الحصول على فرصة العمل لأن الحد الأدنى للأجور يوفر عيشا كريما ورغيدا لصاحبه، وقلما يحدث أن يرفض الشباب أي عمل يحصلون عليه. ولهذا ترى أن السويدي مثلا يعمل زبالا ومنظفا وفراشا وممرضا وعامل مجاري ونادلا وسائقا وعامل مصنع وحمّالا وغيرها من الوظائف التي صارت حكرا على الأجانب في السعودية، والسبب في نظري هو أن الأجنبي يقنع بأجر متدنٍ جدا قد لا يغطي مصاريف بضعة أيام لشاب سعودي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي