أسعار العقار بين الأساسيات والرغبات
يقول حسبي الله عليه ونعم الوكيل أردت شراء أرض بسعر 1200 ريال للمتر أواخر عام 2009 في شمال غرب الرياض لتنمية مدخراتي لكنه وهو المحلل الاقتصادي نصحني ألا أفعل، فالعقار متجه للانهيار وطلب مني التريث ففعلت فوصل سعرها 2500 ريال ولم أعد أستطيع شرائها، واليوم أريد شراء أرض مناسبة في منطقة أخرى وها هي الشائعات تقول العقار إلى انهيار فهل أشتري أم أتريث؟
صاحب السؤال يريد استشارة مجانا فإن أصابت فرح وسكت وفي أحسن الأحوال يثني على الرأي، وإن لم تصب غضب وتذمر ودعا الله أن ينتقم له، وبكل تأكيد لن أقدم له أي استشارة ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير لنفسي، فنحن المحللون لا نملك سوى أدوات نستشرف بها المستقبل لكن لا نضمنه لأحد حتى لأنفسنا.
أين تتجه أسعار العقارات من أراض بيضاء وأراضٍ مخططة ومبان سكنية؟ سؤال المليون ريال بنظر البعض، نعم فالبعض محتار بين أن يغتنم ما يعرض من عقارات في فترة الركود الصيفية وبين أن ينتظر الانخفاضات التي يروج لها من البعض رغم قناعتهم بأن الضربة التي تلقاها من ترك سوق العقار واتجه لسوق الأسهم في الأشهر القليلة الماضية ستكون لصالح المضاربات العقارية بعد إجازة الصيف.
من ناحيتي أقول هناك أساسيات وهناك رغبات لم تصل بعد إلى درجة الحاجة الملحة، الأساسيات تقول إن العقار مرتبط بأسعار النفط ومعدلات التضخم والبيانات أثبتت أن قيمة أي عقار في السبعينيات تعادل أو تقل عن قيمته الحالية رغم التضخم، بمعنى أن العقار مستودع ثروة أكثر من رائع فما بالنا والقنوات الاستثمارية القادرة على استيعاب السيولة الهائلة التي تصل للمواطنين بطريقة أو بأخرى غائبة تماما خصوصا بعد فقدان الثقة بسوق الأسهم من عموم المستثمرين الراغبين في المحافظة على أموالهم وتنميتها.
الأساسيات تقول أيضا إن الطلب الكبير على الأراضي البيضاء أو المخططة ليس للاستخدام النهائي لإقامة المباني التجارية أو السكنية أو الصناعية حيث يشكل الطلب على الأراضي لاستخدامها كصكوك استثمارية تحافظ على مدخرات المواطنين وتنميها أكثر من 60 في المائة من الطلب خصوصا في المدن الرئيسة وأطرافها، حيث الأراضي غير المخططة وغير المستخدمة تشكل 70 في المائة من إجمالي الأراضي المتاحة، كما تقول الأساسيات إن الفوائض المالية التي يحققها المستثمرون في بقية القطاعات الاقتصادية تتوجه للقطاع العقاري كملاذ آمن، حيث لا تستوعب هذه القطاعات الفوائض المالية الناتجة عنها، وكلنا يعرف أن معظم التجار في أي نشاط كان قد انتهى بهم المطاف إلى تجار عقار بصورة أو بأخرى.
كذلك من أساسيات السوق العقارية السعودية أنها سوق غير مديونة وأن معظم المتعاملين فيها يملكون عقارات من أموالهم ما يجعلهم خارج ضغط الديون وفوائدها المركبة والمتراكمة وهو ما يجعلهم لا يعرضون معظمها للبيع باعتبار أنها "صكوك مالية متنامية" تحفظ أموالهم ويمكن تسييلها بسهولة متى شاؤوا ذلك.
إذن نحن أمام فوائض مالية مهولة تأتي لأيدي المواطنين كمحصلة للسيولة الكبيرة التي تأتي بها مبيعات النفط والغاز ذات الأسعار المجزية، وأمام قنوات استثمارية ضيقة لا تسع فوائض أموالها فضلا عن الأموال الأخرى، وأمام قناة عقارية استثمارية ضخمة غير مديونة قادرة على استيعاب الفوائض المالية وتنميتها أو المحافظة على قيمتها الشرائية في أسوأ الأحوال دون تكلفة من رسوم أو ضرائب أو زكاة، وكل ذلك يأتي في ظل وجود مكاتب عقارية منتشرة بشكل كبير وهائل تعمل دون ضوابط لتساهم هي الأخرى برفع العقارات لأسعار من المتوقع أن تصلها خلال السنوات الخمس المقبلة.
وأمام كل هذه الأساسيات التي رفعت أسعار ومازالت وإن اعترى مسيرة الارتفاع بعض فترات التوقف والنزول البسيط وهي فترات لا بد منها، أقول أمام كل ذلك هناك رغبات لدى المواطنين الذين لا يملكون العقارات والمسؤولين في الحكومة المعنيين بالقضية الإسكانية أن تقف الارتفاعات وتتراجع الأسعار لما هو متناول بالنسبة للطبقة المتوسطة لتتمكن من شراء المسكن الملائم في الوقت المناسب من العمر.
الرغبات لا تدخل ضمن أساسيات السوق إلا من مدخل العامل النفسي المؤثر في السوق وهو عامل بدأ يضمحل شيئا فشيئا بعد أن انتظر من انتظر أن تهبط الأسعار بشكل كبير إلا أن أحلامهم راحت أدراج الرياح. الرغبات كما نعلم لا تتحول إلى حاجات إلا عندما تدعم بمشاكل كبيرة إذا لم يتم تلبيتها والأمر الذي ما زال بعيدا نوعا ما خصوصا أن الحكومة لجأت لحلول أخرى للتصدي للقضية الإسكانية بعيدا عن فرض رسوم سنوية على الأراضي أو منع تداول الأراضي إلا بعد مرور مدة زمنية على توثيقها للحد من المضاربات.
ما أود أن أخلص له أن أسعار العقارات لن تنهار وربما تزداد خصوصا في الأحياء التي يتزايد سكانها وتتكامل خدماتها إذا استمرت هذه الأساسيات على حالها وإن زادت الحملة النفسية الداعية لهبوط الأسعار، فالأساسيات ستبقى أكثر فاعلية من الرغبات.
أخيرا لا أظن أن مشكلة السوق العقارية مشكلة أسعار بقدر ما هي مشكلة تنظيم وتطوير وحماية ومشكلة تمويل ومشكلة انفصام تام عن النظام المالي، وما لم تعالج هذه المشاكل سيبقى من الصعب السيطرة على أسعاره ما لم تقدم الحكومة على خطوة فرض الرسوم على الأراضي التي قد تكون لها تداعيات سلبية قد تصعب السيطرة عليها.