الصخر الغازي يضع أمريكا على رأس منتجي الغاز عالميا
لقد أحدث استخدام تقنيات الحفر الأفقي وتقنيات التكسير نجاحا كبيرا في إنتاج الغاز من طبقات السجيل الغازي الذي مهد الطريق لما يعرف اليوم بطفرة السجيل الغازي (الصخر الغازي). الارتفاع السريع في إنتاج الغاز من هذه المصادر، نقل صناعة الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة نقلة نوعية كبيرة قد تجعلها في غضون سنوات قليلة تتجاوز روسيا وتصبح أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، لكنها ستبقى في حاجة إلى الواردات لتلبية الطلب المتزايد.
لقد أحدث الارتفاع السريع في إنتاج الغاز الصخري والنفط المحصور في المكامن المعقدة ثورة في الصناعة البترولية لأكبر مستهلك للوقود في العالم، وحوله من أكبر مستورد للغاز في العالم إلى مصدر محتمل للغاز في المستقبل، وفي الوقت نفسه قلل من اعتماده على شحنات النفط المستوردة.
رغم انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق المحلية الأمريكية والتي أبطأت من وتيرة عمليات الحفر في الموارد الغازية إلى حد ما، إلا أن زخم ازدهار الغاز الصخري مكن الولايات المتحدة من إضافة إمدادات جديدة من الغاز الطبيعي مساوية تقريبا إلى نصف الشحنات السنوية لأعلى مصدر للغاز الطبيعي المسال (قطر) في عام 2011.
وفقا لوكالة الطاقة الدولية، بحلول عام 2017 من المتوقع أن تكون الولايات المتحدة واحدا من أكبر مصادر الإمدادات الجديدة للغاز، حيث إن إنتاج الغاز سيستمر في الازدهار رغم انخفاض أسعار الغاز، ما قد يجعل الولايات المتحدة متقدمة قليلا على روسيا.
إن ارتفاع أسعار النفط أسهم في دعم إنتاج الغاز المصاحب لاستخراج النفط الخفيف من المكامن المحكمة أو ما يعرف Tight Oil (الصخر الزيتي)، كما أن الارتفاع الكبير المتوقع في الاستهلاك المحلي وفرص التصدير سيسهمان أيضا في استمرار الدعم للتوسع في إنتاج الغاز في الولايات المتحدة خلال الفترة القادمة.
في هذا الجانب، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع إجمالي إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي إلى نحو 770 مليار متر مكعب في عام 2017 من 653 مليار متر مكعب عام 2011، في حين تتوقع أن يصل الإنتاج الروسي من الغاز إلى 757 مليار متر مكعب خلال الفترة نفسها من نحو 660 مليار متر مكعب في عام 2011. لكن في الوقت نفسه من المتوقع أيضا أن يرتفع الطلب على الغاز في الولايات المتحدة من 690 مليار متر مكعب في العام الماضي إلى 779 مليار متر مكعب في عام 2017، حيث إن تراجع أسعار الغاز خلال السنوات القليلة الماضية شجع الصناعة الأمريكية على الاعتماد على الغاز أكثر فأكثر.
رغم أن الولايات المتحدة ستستمر في استيراد نحو عشرة مليارات متر مكعب سنويا، لكن مع وجود خطوط الأنابيب الكندية التي تدعم إنتاج الولايات المتحدة في الشمال، يمكن للولايات المتحدة أن تصدر بعض الغاز عن طريق تحويل محطات استيراد الغاز الطبيعي المسال على ساحل الخليج إلى محطات للتصدير، بالفعل يجري العمل حاليا على تحوير بعض هذه المحطات. إن الازدهار المستمر في إنتاج الغاز الطبيعي من المصادر غير التقليدية في الولايات المتحدة قد يسهم في نهاية 100 عام من هيمنة الفحم الحجري في قطاع توليد الطاقة الكهربائية فيها، حيث يمكن للغاز أن يحل محل الفحم كمصدر رائد للوقود لمحطات الطاقة في الولايات المتحدة في غضون سنوات قليلة.
إن وفرة الإمدادات الرخيصة من الغاز الطبيعي ستكون لها مردودات إيجابية للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة في أمريكا الشمالية، لكن في الوقت نفسه يمكن أن يكون لها تداعيات سلبية على منافسيهم الأوروبيين، حيث إن قطاع الصناعة في أوروبا يعاني ارتفاع أسعار الغاز بنسبة ثلاث إلى أربع مرات عما هو عليه في الولايات المتحدة، ما قد يجعلها منافسا جديدا وقويا لصناعات البتروكيماويات والأسمدة التي مقرها أوروبا. رغم أن الثورة التي حصلت في إنتاج الغاز الصخري هيمنت على عناوين الصحف وشكل إنتاج الغاز من هذه المصادر ما يقرب من نصف الـ 16 في المائة من حجم الإنتاج العالمي من الغاز من المصادر غير التقليدية، إلا أن القطاع الصناعي الأوروبي لم يتمتع بأي فوائد من انخفاض أسعار الغاز الناجم عن التطورات في إنتاج الغاز الصخري، على العكس من نظرائهم في الولايات المتحدة.
من المتوقع أن تستمر أمريكا الشمالية في قيادة الإنتاج من الغاز الصخري، مع إمكانية توافر إمدادات محدودة من هذه المصادر من مناطق لا تتعدى الصين وبولندا، أما في المناطق الأخرى من العالم من المتوقع أن يسود إنتاج الغاز من ميثان طبقة الفحم الحجري ومن المكامن المحكمة.
على مدى السنوات الخمس القادمة من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على الغاز بنحو 580 مليار متر مكعب ليصل إلى 3940 مليار متر مكعب في السنة، وستكون الصين مسؤولة تقريبا عن أكثر من ربع هذا الارتفاع، حيث من المتوقع أن يتضاعف الطلب على الغاز في الصين ليصل إلى أكثر من 270 مترا مكعبا من نحو 130 مليار متر مكعب في عام 2011، ما يجعل الصين ثالث أكبر بلد مستخدم للغاز الطبيعي في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا. في حين ستسهم الولايات المتحدة بنحو 90 مليار متر مكعب من ارتفاع الطلب على الغاز مدعوما بارتفاع الاستهلاك في مجال توليد الطاقة الكهربائية وفي قطاعات البتروكيماويات والأسمدة.
أما على الجانب الآخر من الأطلسي، من غير المرجح أن يتعافى الطلب الأوروبي على الغاز في المدى المتوسط إلى المستويات التي كان عليها في عام 2010 بسبب بطء النمو الاقتصادي، وارتفاع الأسعار وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، حيث انخفض الطلب الأوروبي على الغاز بنحو 9 في المائة في عام 2011.
من غير المرجح أن ترتفع كثيرا تجارة الغاز الطبيعي المسال حتى عام 2015 نظرا لقلة الطاقات الإنتاجية الجديدة القادمة على مدى العامين المقبلين، في حين الطلب المتزايد على الغاز سيؤدي إلى زيادة عدد البلدان المستوردة للغاز. في الوقت الحاضر تعتبر قطر، ماليزيا، وإندونيسيا، من بين أكبر المصدرين للغاز في العالم، لكن أكثر من نصف البلدان في الشرق الأوسط تقوم باستيراد أو ستقوم باستيراد الغاز الطبيعي، إما من خلال الغاز الطبيعي المسال أو عبر خط الأنابيب.
لقد ازداد حجم التجارة العالمية من الغاز الطبيعي المسال أكثر من 9 في المائة، لكن أسواق الغاز العالمية لا تزال مجزأة ما يؤدي إلى استمرار التباين الواسع بين أسعار الغاز في الولايات المتحدة والأسعار الأوروبية والآسيوية. على الرغم من زيادة كميات الغاز الطبيعي المسال المتوافرة في الأسواق العالمية، إلا أن احتمال وجود سعر عالمي للغاز غير وارد نهائيا في الوقت الحاضر، حيث إن آسيا لا تزال في حاجة إلى وضع سعر للغاز يعكس التوازن بين العرض والطلب، في الوقت الحاضر يتم بيع معظم الغاز في آسيا بأسعار مرتبطة بالنفط، ليس على أساس التوازن بين العرض والطلب كما هو الحال في الولايات المتحدة أو أوروبا.
لقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال في أسواق اليابان إلى أكثر من ثماني مرات من أسعار الغاز في أسواق الولايات المتحدة، حيث ازدادت الواردات اليابانية من الغاز بصورة كبيرة جدا للتعويض عن إغلاق محطات الطاقة النووية بعد كارثة فوكوشيما.