هل يحق للمصارف إيقاف التسديد المبكر للقروض الشخصية؟
يفاجأ كثير من المقترضين بامتناع المصارف أخيرا عن قيام الشخص المقترض بتسديد ما تبقى عليه من قرض، إلا بقيامه بدفع الفوائد المستحقة على القرض لما تبقى من سنوات تصل إلى أكثر من عشر سنوات في قروض التمويل العقاري. وهذا يطرح عددا من التساؤلات القانونية حول طبيعة القرض وصيغة العقد المبرم بين المصرف والعميل ودور مؤسسة النقد العربي السعودي في ذلك. إن ما تقوم به المصارف من منع الشخص من تسديد القرض الشخصي، وبحسب طبيعة العقد المبرم بين المصرف والعميل، قد لا يتفق مع صيغة العقد، وقد لا يتماشى مع ضوابط اتفاقية التمويل الاستهلاكي الصادر من مؤسسة النقد في عام 2006، وقد لا يتماشى مع مبدأ التمويل الإسلامي ولا مقاصد العمل بالقروض الإسلامية.
أولاً علينا أن ندرك أن حجم القروض الشخصية في المملكة كبير جداً، حيث وصل في عام 2011 إلى نحو 242 مليار ريال، بينما كان قبل عشر سنوات 38 مليار ريال فقط، لذا فإن قضية القروض الشخصية يجب أن تؤخذ بشكل جدي لما لها من تأثيرات اجتماعية وإنسانية خطيرة، ولما تبعثه في أذهان كثير من الناس من انطباع سلبي تجاه المصارف التي من المفترض أن تحسن من صورتها أمام المجتمع وتحافظ على علاقتها بمؤسسة النقد، الجهة المنوط بها الإشراف على المصارف.
لمعرفة إن كان للمصارف الحق في الامتناع عن قبول السداد المبكر للقروض الشخصية (بما فيها قروض التمويل العقاري)، يجب علينا الرجوع إلى الأنظمة والتعليمات التي تحكم هذه العقود، وبالأخص التحقق ما إذا كانت عقود التمويل التي وقع عليها العملاء تشمل ذلك أم لا. ومع الأسف - إنه من واقع تجربة شخصية فإن المصرف الذي تعاملت معه لم يمنحني أي عقد، بل اكتفى بتقديم جدول الدفعات وأخذ مني توقيعات عديدة على نماذج متنوعة لم أعرها كثيرا من الاهتمام. والسبب في عدم قيامي بمراجعة تفاصيل العقد، وأزعم أن معظم المقترضين مثلي في ذلك، يعود لأني لم أكن مقدما على عقد فريد مع المصرف يتحتم علي معرفة حقوقي كاملة، كون هذه العقود تعتبر عقودا جماعية تسري على جميع المقترضين وتقدم من جهات تجارية تتمتع بصفة احتكارية إلى حد كبير وتخضع للإشراف الحكومي المباشر، إضافة إلى أنه لا مجال للتفاوض في مقتضيات العقد وضوابطه، عدا بعض القدرة التفاوضية الضعيفة للاتفاق على معدل الربح، لذا فمن غير المتوقع أن تكون تفاصيل العقد الدقيقة ذات أهمية كبيرة لدى المقترض. وهذه نقطة مهمة يجب التركيز عليها، حيث قرأت كلاماً لمسؤول كبير في مؤسسة النقد في وقت سابق يصر على ضرورة قيام العميل بقراءة العقد والاستعانة بالمختصين في تفسيره!
إذا السؤال الآن هو عن كيفية التعامل مع عقود الإذعان ودور الجهات المختصة في تحقيق العدالة للأفراد المقترضين وإنصافهم في ذلك. يعرّف عقد الإذعان بأنه عقد ينفرد أحد أطراف العقد فيه بصياغة بنوده وشروطه بما يتوافق ومصلحته الخاصة وحمايته من المقاضاة دون أن يكون للطرف المقابل الحق في تعديل أو إلغاء ما تضمنه العقد من شروط تعسفية تؤدي إلى الإضرار به. وناقش مجمع الفقه الإسلامي الدولي هذا الموضوع في الدوحة عام 2002 وأصدر بشأنه قراراً ينص على أنه ''يجب شرعاً خضوع جميع عقود الإذعان لرقابة الدولة من أجل إقرار ما هو عادل منها، وتعديل أو إلغاء ما فيه ظلم بالطرف الضعيف وفقاً لما تقضي به العدالة شرعاً''. ومن الواضح أن عقود التمويل الاستهلاكي، كعقود إذعان، كان من الواجب إقرارها من مؤسسة النقد قبل العمل بها من قبل المصارف، لا سيما أن ضوابط التمويل الاستهلاكي الصادرة من مؤسسة النقد عام 2006 تنص على ضوابط عديدة من اللازم تضمينها في عقد التمويل، وتشمل مدة التمويل والأقساط ومعدل النسبة السنوية والرسوم وغرامات التأخير، إضافة إلى كشف حساب على هيئة جدول سداد، وضوابط أخرى من ضمنها بند ينص على ضرورة تضمين العقد ''إجراءات السداد المبكر وأحكامه، والرسوم (إن وجدت) التي يجب أن يسددها المقترض لممارسة هذا الحق''.
هذا يقودنا إلى تساؤل مشروع عما إذا كانت العقود التي أبرمت مع العملاء تتضمن إجراءات للسداد المبكر أم لا؟ فإن كانت لا تتضمن ذلك، فهذه مخالفة صريحة لضوابط التمويل الاستهلاكي، وبذلك يكون الإجراء الذي قامت به المصارف غير صحيح وليس للمصارف الحق في الامتناع عن قيام العميل بالسداد المبكر. أما إذا كان هناك بند يختص بالسداد المبكر في العقد، فهل تم تطبيقه كما نص عليه العقد؟ والأهم من ذلك أنه إذا كان العقد قد منح المصرف الحق المطلق في إجراءات السداد المبكر بشكل يضر بمصلحة العميل وبشكل تعسفي، كأن يطلب منه تسديد فوائد سنوات قادمة مقدماً، فهذا ربما لا يكون مخالفاً لتعليمات مؤسسة النقد، لكنه بكل تأكيد يقع في نطاق عقود الإذعان التي يجب على القضاء والمرجعية الحكومية التصدي لها. كما أشير إلى أنه عند تحرير عقد التمويل، فإن المصرف قام بحساب جميع عوامل المخاطرة المحتملة بما في ذلك انخفاض سعر الفائدة، وبذلك فليس للمصرف حق في التعذر بانخفاض أسعار الفائدة كسبب لمنع التسديد المبكر. بمعنى آخر أن سبب ارتفاع معدل الربح الذي يدفعه العميل يعود لاحتساب المصرف عددا من عوامل المخاطرة بما فيها، وقد يكون أهمها، انخفاض سعر الفائدة. فإن أخطأ المصرف في تقديره لمسار أسعار الفائدة يجب ألا يتحمل العميل خطأ المصرف في ذلك.
إذاً، إما أن عقد التمويل الشخصي لا يحتوي على بند خاص بإجراءات السداد المبكر، وهذا مخالف لتعليمات مؤسسة النقد، وإما أنه يحتوي على هذه الإجراءات، وهي بهذا الشكل مجحفة للمقترض وفيها ظلم عليه، وتعامل كعقود الإذعان التي يتدخل القضاء بتصحيحها وإرجاع الحق المسلوب لمصلحته.