الأمير سلمان.. أمير الأمانة والمسؤولية الكاملة

قبل أن يصدر الأمر الملكي بتعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز ولياً للعهد كان الشعب السعودي من أقصاه إلى أقصاه يبارك منح الأمير سلمان ولاية العهد.
الأمير سلمان عمل بجبهة عريضة في كل مجالات حياة المواطن السعودي، فهو موجود بين العلماء والفقهاء، وهو موجود بين رجال المال والأعمال، وهو موجود بين الأدباء ورجال الفكر، وهو موجود بين الرياضيين، وهو موجود بين الإعلاميين، ثم هو موجود بين البيروقراطيين الذين يعرفونه بأنه صاحب إبداع وعمل وإنجاز.
ثم هو ـــ قبل ذلك وبعد ــــ صاحب قضايا وطنية وقومية كبيرة، هو من تبنى قضايا التنمية المحلية، وهو من تبنى قضية إعادة كتابة تاريخ شبه الجزيرة العربية وبالذات تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهو من تبنى قضية رواد الأعمال بين الشباب والشابات السعوديات وأسس جوائز قيمة لهم، وهو من تبنى قضايا تحديث الصحافة السعودية وبنى هيئة الصحفيين السعوديين وبنى في قلب العاصمة البريطانية مؤسسة صحفية عربية وعالمية تضاهي أكبر المؤسسات الصحفية في العالم، وهو من تبنى قضايا المرأة السعودية كي تشارك بفعالية في عمليات التنمية والبناء والتنوير، ولو شئنا أن نعدد عدد القضايا التي يتبناها الأمير سلمان لاحتجنا إلى مؤلفات عديدة.
الأمير سلمان في تحركاته الاستراتيجية تجاوز المنصب الحكومي المحلي وأنشأ علاقات مع كبار أهل السياسة والرأي والفكر والصحافة في عالمنا العربي ومكن هؤلاء المفكرين والصحفيين من رؤية المملكة بشيء من الوضوح والموضوعية. كان الأمير على علاقة متينة مع الراحل كامل مروة مؤسس "الحياة" الذي أسس صحيفة "الحياة" انطلاقا من أن الحياة عقيدة وجهاد، وهو على علاقة مع مجموعة النهار وعلى رأسها الراحل غسان تويني، ثم هو على علاقة جيدة بالصحفي الموسوعي جهاد الخازن، والصحفي الكويتي الراحل عبد العزيز المساعيد والصحفي الكويتي المعروف أحمد الجار الله، وغير هؤلاء ُكثر.
وأكاد أجزم أن معظم القيادات التي عملت في مدرسة الأمير سلمان بن عبد العزيز وحتى الكثير من الأعيان والأدباء ورجال الأعمال هم تلاميذ أخذوا النجابة والنجاح من مدرسة الأمير التي تميزت بالإخلاص والمعرفة والتجربة، فالأمير لا يتحدث كثيراً حينما يطرح المشاريع، وإنما يلتقط عناوين المشاريع ويضعها ببسالة في ذهن الموظف فتلتصق بذاكرته ولا تبرحها أبداً، وكانت أفكاره ميزاناً يختار من خلالها البرامج ويضعها في أماكنها بخطط تؤكد على إمكانات نادرة في الإبداع والمسؤولية والأداء.
كان الأمير سلمان وما زال صاحب رسالة يريد أن يبثها في موظفيه، ويريد أن يقول لهم إن الإنسان عبارة عن أداء وسلوك، ومطلوب منا جميعاً ممارسة التواضع والسلوك الحسن، بمعنى أن الرقي والأخلاق هي هويته التي يمارس من خلالها برنامج حياته اليومية، وهكذا فإن أهم صفات الأمير سلمان هي التواضع والقدرة على نقل البرامج والمعارف بسلاسة ويسر.
إن الأمير سلمان مشهور بأناقته، كان أنيقاً في اختيار المشاريع، وأنيقاً في خططه، وأنيقاً في عباراته، وأنيقاً في ملبسه، أي كانت الأناقة سمة من سمات شخصيته الفذة، رأسه دائماً ترتفع إلى أعلى كإحدى القباب الإسلامية التي توحي بأن تحتها كنوزاً من المعرفة والخبرة، وكان وجهه يقطر أبوة ويغري بالحوار حتى مع أصغر مواطن، والأمير ليس طويلاً وليس قصيراً لكنك دائماً تراه عملاقاً، النظر إلى وجهه يبعث على الراحة ويشجع على الحوار.
في عام 1977 اتصل بي الراحل علي شبكشي مدير عام مؤسسة عكاظ الأسبق، وقال يشرفني غداً الأمير سلمان بن عبد العزيز في بيتي، فأرجو أن تكون في استقباله معي كما سيكون معنا كل الأصدقاء من الوسط الإعلامي، وفي فيلا علي شبكشي الأنيقة في شارع فلسطين في جدة اصطففنا جميعاً في استقبال الأمير سلمان الذي قدم إلينا وابتسامة عريضة تفترش كل وجهه الوسيم، وما إن دخل ورآنا جميعاً نصطف في استقباله قال مازحاً: يا أخ علي هؤلاء جميعاً معك وأنا لوحدي، فقال له الشبكشي بلباقته المعهودة: لا يا طويل العمر كلنا معك، الملك عبد العزيز وحدنا جميعاً، ولذلك كلنا واحد.
وفي ذلك اليوم دار بيننا وبين الأمير سلمان حوار على جانب كبير من الجرأة والصراحة والمسؤولية، طرحنا أمامه كتلة من الأسئلة التي أذابت كل أرتال الظنون، لقد دخلنا في أغوار قضايا كنا نظن إنها من المحظورات التي يجب ألا نقترب منها، ولكن الأمير الرائع شجعنا على الصراحة والحوار، وأذكر أننا كنا نعتب على الأمير سلمان شخصياً أنه هو من كان وراء نقل كل مؤسسات الدولة من جدة إلى الرياض مما ألحق أضراراً بالغة باقتصاد جدة مثل نقل مؤسسة النقد العربي السعودي ونقل وزارة الإعلام ورعاية الشباب، حتى المركز الرئيس للبنك الأهلي التجاري في جدة.
ولكن الأمير أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المؤسسات التي نقلت إلى العاصمة الرياض كان مخططاً لها أن ُتنقل ضمن مؤسسات الدولة التي نقلت إلى العاصمة الرياض تنفيذاً للأمر الملكي الذي أصدره الملك عبد العزيز بتأسيس مجلس الوزراء في عام 1953 برئاسة الملك سعود ــــ يرحمه الله ــــ، وأذكر أن الأمير سلمان ألمح إلى أن اقتصاد جدة جزء لا يتجزأ من اقتصاد المملكة، وأن عافيته عافية للاقتصاد الوطني، وأن كل مسؤول في الدولة معني بدعم اقتصاد جدة واقتصادات كل مدن المملكة وصولاً إلى الاقتصاد الوطني.
هكذا كان وما زال الأمير سلمان بن عبد العزيز مساحة تتسع لكل أرجاء الوطن وكل المواطنين، لم يكن وهو أمير العاصمة مسؤولاً فقط عن العاصمة، بل هو ابن عبد العزيز المسؤول عن كل حدود الوطن قبل أن يكون مسؤولاً عن منطقة جغرافية بعينها.
اللهم وفق أولي الأمر في مملكتنا الفتية من أجل المضي قدماً في بناء هذا الوطن الأغر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي