رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الطاقة الشمسية أولاً

فاجأتنا مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة بإعلانها عن برنامج طموح ومتكامل لتوليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية. وخطة البرنامج إذا وفقنا الله في تنفيذها كما هو مرسوم لها، فلا شك في أنها تفوق جميع التوقعات التي كنا نحلم بها. وليس لنا، كمواطنين، إلا أن نشكر الإخوة الأفاضل الذين تولوا القيام بهذه الدراسة بهدوء ودون ضجة إعلامية وأبدعوا في تقديمها إلى الجمهور في الوقت المناسب. ونأمل، إن شاء الله، أن يستمروا في بذل قصارى جهودهم المباركة حتى تتم الموافقة السامية على تأمين الأموال اللازمة لتمويل المراحل المختلفة من هذا المشروع الحيوي الكبير وتعيين الجهة التي ستكون مسؤولة عن تنفيذه. ونقول لهم بارك الله فيكم وفي جهودكم. ونترقب منكم مزيدا من التفاصيل والخطوات التي ستمهد للبدء بالتصاميم اللازمة وإنشاء المدن الصناعية التي ستحتضن صناعة مواد مرافق توليد الطاقة الشمسية في المملكة. فهدفنا - بإذن الله - أن نكون روَّاداً في مجال استخدام الطاقة الشمسية كما نحن الآن رواد في عمليات التحلية. ونحمد الله أننا نعيش اليوم في زمن يتوافر فيه كثير من مصادر التمويل الناتجة عن وجود فوائض مالية كبيرة تبحث عن أفضل بيئة للاستثمار. وهل هناك أكثر ملاءمة وأوسع مجالاً للاستثمار من وضع أموالنا التي تفيض عن حاجتنا في صميم مشاريعنا الحيوية تحت أنظارنا وإدارة أبنائنا، وهي التي، فوق كل ذلك، تُعطي أكبر مردود استثماري؟ والأهم من ذلك جميعه، أن الطاقة المتولدة من الأشعة الشمسية ستوفر لنا - بإذن الله - كميات هائلة من النفط الخام والمشتقات النفطية التي تُستهلك محليا. وعلى المدى البعيد، فهي بحق المصدر الرئيس للطاقة، التي من المؤكد أنها ستقوم بتأمين جزء كبير من متطلبات الطاقة الكهربائية عندما يتناقص إنتاج النفط وتزداد الحاجة إلى الرافد ثم البديل. ولن نتحدث اليوم عن إمكانية وصول المملكة إلى مرحلة تصدير الطاقة المتجددة، فذلك سابق لأوانه. وقد حددت مدينة الملك عبد الله الهدف الذي يجب علينا تحقيقه خلال السنوات العشرين القادمة، لغاية عام 2032. وهو إنجاز إنشاء وتشغيل مرافق ُتوَلد ما مقداره 41 جيجاواط بواسطة الخلايا الكهروضوئية والكهرباء الحرارية، أو ما يُعادل 36 في المائة من مجموع الطاقة الكهربائية البالغ 121 جيجاواط عام 2032، وهي نسبة عالية بكل المقاييس. ويأمل القائمون على هذه المشاريع أن توفر الطاقة الشمسية في نهاية الخطة ما يقارب معدل 150 ألف برميل مكافئ من النفط يوميا. ومشاريع توليد الطاقة الشمسية بهذا الحجم ستوفر - بإذن الله - عشرات الألوف من الوظائف المحترمة للشباب السعودي، ما يجعله مكسبا اقتصاديا يفوق أي مشروع استثماري آخر. ولعله من المناسب توضيح أن هناك إمكانية شبه مؤكدة في مقدرتنا على توطين كامل صناعة توليد الطاقة الشمسية، مما سيتيح لنا - إن شاء الله - مجالاً كبيراً للتوسع في المستقبل في هذا الميدان. وذلك يشمل تصنيع جميع مكونات هذه الصناعة الحديثة. وعلى الرغم من واقعية هذا الطموح المتميز وإمكانية إنجاز ما هو مُخطَّط له خلال السنوات العشرين القادمة، فنحن نأمل ألا يقف الطموح عند هذا الحد، وسنجد - بإذن الله - أن مجال التوسع في إنشاء مرافق إضافية أمرا واردا عند مضاعفة الجهد واكتساب الخبرة. ولعله من نافلة القول أن نذكر أن هذا المشروع يشمل تغطية الذروة في المقام الأول ثم يمتد إلى توفير الطاقة خلال الليل عن طريق تخزين الطاقة، وهي تقنية الآن في مرحلة التطوير.
ونتمنى - إن شاء الله - أن تتضافر جهود مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة نحو التركيز في الوقت الحاضر على مشاريع الطاقة الشمسية التي من الأفضل أن تكون لها الأولوية، مقارنة بالطاقة النووية التي من الصعب إقناع المجتمع السعودي بجدواها الاقتصادية والأمنية. وبدلا من أن نتحاور فيما بيننا حول صلاحية مُنشآت توليد الطاقة النووية لبلادنا وبيئتنا، دعونا نستمع إلى ما قاله أخيرا ناؤتو كان، رئيس وزراء اليابان الأسبق، في شهادته حول الموضوع، وهو الذي عاصر حادثة فوكوشيما كرئيس للدولة. يقول كان: يجب أن نتخلص من مرافق توليد الطاقة النووية لخطورتها (المتناهية). وذكر أن حادث فوكوشيما الأخير كان قد دفع اليابان إلى حافة الكارثة الوطنية. وهذا ليس كلاماً مُنمقاًّ من أجل دعاية حزبية انتخابية، فالرجل كان يعني كل كلمة تفوه بها. وأضاف كان، أنه بعد تجربته مع الحدث اقتنع بأن أفضل طريقة لجعل المحطات النووية آمنة هو التخلص منها. فلماذا لا نتخذ العبرة مما حصل لغيرنا؟ فهذا الرجل المُتَّزن لم يكن يرمي الكلام على عواهنه، بل كان يزن كل كلمة قبل نطقها.
وقد سمعنا منْ يعتقدون أن بلادنا ليست ضمن المناطق المُعرَّضة للزلازل ولا تأثيرات السونامي، ولذلك فهي مكان آمن بالنسبة للمُنشآت النووية. لكنهم يغفلون حقيقة مهمة، وهي أن تلك المرافق قد تصيبها أنواع شتى من عوامل الخلل الفني والاعتداءات الداخلية والخارجية. فأكثر الحوادث التي تسببت في توقف المرافق النووية في روسيا وأمريكا لم يكن من أسبابها حدوث الزلازل. وبما أننا نتحدث هنا عن وقوع احتمالات غير مؤكدة، فلماذا إذاً التحفظ الشديد على بناء تلك المرافق والبلاد في حاجة ماسة إلى توليد أكبر كمية ممكنة من التيار الكهربائي؟ هذا سؤال مهم وفي محله. لكن الأمر يتعلق بعواقب أي خلل خطير، لا قدر الله، يُصيب المنشآت النووية، مهما كانت نسبة حدوثه ضئيلة. فهي بمثابة قنابل ذرية موقوتة، ولو أطلقت جزءا يسيراً من إشعاعاتها القاتلة لما وجدنا لنا ملجأ يحمينا منها ولا تتوافر لدينا إمكانات فنية ولا بشرية مُدرَّبة كما هي الحال في دول مثل ألمانيا واليابان. ومع ذلك فهم أول منْ أعلن التخلص منها رغبة في تجنُّب أضرارها. وخيرنا منْ اتعظ من تجارب الآخرين. وإذا كان هناك مطلب قومي مُلِح لإنشاء مرفق لتوليد الطاقة الكهربائية من المفاعلات الذرية، فليكن ذلك في أضيق نطاق وألا تسبق أولوياته مرافق الطاقة الشمسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي