فقدنا نايف وعزّانا الملك بسلمان

من الصعب جداً على الإنسان جمع شتات الحروف والكلمات لرسم صورة تصف الصدمة التي تلقاها الوطن برحيل أحد أهم رجالاتها، وأحد أعمدة الحكم فيها، الأمير نايف بن عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ. وتكون المهمة أصعب عندما يكون الحدث مفاجئاً للجميع، وأتى في وقت، الجميع فيه ـــ وطناً ومواطنين ـــ في أمس الحاجة إلى مثل حنكته وقيادته، لإدارة ملف الأمن في هذا المرحلة الحرجة من تاريخ المنطقة. ولكن ما يهون هول الصدمة ويخفف مصابها هو ذلك الإيمان المكتنز والمتجذر في قلوب أبناء هذا الوطن بقضاء الله وقدره، وأن لله ما أخذ وله ما أعطى، ثم ثقتهم الكبيرة بقيادتهم وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ، على ضمان استمرارية السياسات والسير بمؤسسة الأمن في المملكة على ما خطه الفقيد ـــ رحمه الله ـــ. المساحة لا تتسع لتعداد إنجازات ومآثر الفقيد ـــ رحمه الله ـــ كثيرة، وسأترك هذه المهمة الصعبة لمن عملوا معه بشكل مباشر ولصيق خلال السنوات الماضية. لكن ما لا يخفى على الجميع ـــ في الداخل أو الخارج ـــ الدور الكبير الذي لعبه ـــ رحمه الله ـــ في تثبيت وترسيخ الأمن في هذه البلاد، خصوصاً أمن حجاج ومعتمري بيت الله الحرام، والحرب على الإرهاب، وأكثر من ذلك كله، هو بناؤه لمؤسسة الأمن السعودية خلال السنوات الأربعين الماضية.
مشاهد معبرة رافقت هذا الحدث المؤلم، تفرض على حبر القلم أن يسيل ليصفها، فمشهد الألم الذي ارتسم على وجوه قادة هذه البلاد وأهم رجالاتها، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ، يجعلك تتصور حجم الصدمة والفراغ الذي خلفه رحيل نايف في نفوس الكثيرين، إخواناً وأبناء وأصدقاء ومواطنين. مشهد الألم الكبير الذي ارتسم على وجه الأمير سلمان بن عبد العزيز كان أكثر المشاهد تعبيراً وإيلاماً. ففي حين أن الحزن طبيعة بشرية يمر بها جميع البشر صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء، فإن الحزن وقعه كبير على النفس عندما يظهر على محيا أولو الحزم من الرجال، الذين عرفوا الحياة واختبرت صلابتهم وثباتهم، من أمثال سلمان بن عبد العزيز. كذلك كان مشهد التأثر الواضح الذي بدا على شقيق الراحل الأمير أحمد بن عبد العزيز معبراً عن ألم فراق رفيق الدرب لأكثر من أربعين أو خمسين عاماً.
المواطن أيضاً كان له نصيبه من هذا التأثر، خصوصاً عندما يكون الرحيل لمثل الأمير نايف مفاجئا، حيث يكون لذلك وقع كبير على كل أفراد المجتمع. وما يزيد من هذا التأثر، قفز كثير من وسائل الإعلام الرخيصة والمأجورة لتتاجر بهذا الحدث، في أسلوب رخيص ومعتاد منها، ولتستمر في مراهناتها على أمن واستقرار هذه البلاد ـــ حفظها الله ـــ. لكن يوماً بعد يوم، وحدثاً بعد آخر، يثبت للعالم أجمع رسوخ وثبات مؤسسة الحكم في المملكة، وتوطد أركانها، من خلال السلاسة التي انتقلت بها دفة القيادة من ملك راحل إلى آخر يخلفه، ومن ولي عهد إلى آخر. قرار الملك ـــ حفظه الله ـــ، الذي تميز بالحكمة والحزم، بتولية الأمير سلمان بن عبد العزيز ولاية العهد، وتعيين الأمير أحمد بن عبد العزيز وزيراً للداخلية، كان أكثر الأمور التي خففت على المواطن أثر الصدمة، وهول المفاجأة، ورسخ ثقتها بقيادة هذه البلاد، وألجم الأفواه الإعلامية المأجورة التي أخذت تتاجر بهذا الحدث.
الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رمز الرياض، وابنها البار، الذي نهض بها عمرانيا واقتصادياً وثقافياً، لتبلغ ما بلغته من التقدم، لم يكن فقط خيار الملك ـــ حفظه الله ـــ، بل كان أيضاً خيار هذا الوطن بأجمعه، بما جمعه من صفات الحزم والقوة والحكمة والقيادة والوفاء. والسنوات التي مضت والتي عاصرها الكثير من جيل الشباب الحالي، تشهد خصوصاً على هذه الخصلة الأخيرة، التي استحوذت على حياة الأمير سلمان بن عبد العزيز خلال السنوات الأخيرة، ليضرب أروع الأمثلة في ذلك. فالأمير سلمان بقي ملاصقاً ومرافقاً لأخوته الملك فهد، والأمير سلطان، والأمير نايف ـــ رحمهم الله ـــ جميعاً، حتى في آخر مراحل تشييعهم إلى مثواهم الأخير، في صورة رائعة جداً تجسد الوفاء الأخوي بأسمى معانيه، وليرسم لشباب هذا الوطن ولأبناء الأسرة المالكة على وجه الخصوص صورة رائعة لتلاحم قيادة هذا الوطن، ويرسخ للقيم العظيمة التي تميز هذا المجتمع. الوفي لأخوته سيكون بلا شك أكثر وفاء لوطنه ولأبناء وطنه، وسيكون أكثر حرصاً على نهضتهم وتقدمهم، وعلى حماية مقدرات هذا الوطن، والحفاظ على أمنه واستقراره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي