السياحة الداخلية.. الأسعار والمواصلات وأشياء أخرى

منذ تأسيس الهيئة العامة للسياحة والآثار في عام 1421هـ وهي في تطور مستمر مهام وإمكانات، ومسمّىً. ومع وجود استراتيجية عامة اتخذتها الهيئة مسارا تسير عليه في مراحل للانتقال بالمجتمع السعودي من فئة إلى أخرى في تصنيف دول العالم ثقافيا، إلا أن نسبة التغيير ما زالت تدور في فلك الاجتهادات على أرض الواقع. الأسباب قد تكون معروفة وقد تحتاج إلى دراسة من نوع خاص تبسط جميع الملابسات لوضع خطط طارئة وأخرى متوسطة وبعيدة المدى على مستوى المملكة وكل منطقة على حدة؛ حيث إن قدراتنا ومكنوزنا في حاجة إلى توظيف بشكل متنام ومتسارع في زمن تعطلت فيه القاطرة لفترة في كثير من دول العالم.
القنوات السعودية منذ أن كان يعرض برنامج ''في ربوع بلادي'' وأضيف لها اليوم قنوات لشبكات فضائية عالمية أصبحت تتسابق في عرض مكنون مملكتنا الحبيبة من ''كنوز'' سياحية تحاول بذلك جذب الأسر لسياحة أسرية محلية تنمي بها ثقافة المجتمع في: (1) التعرف على عجائب وغرائب قد تضمها الصحاري والجبال والوديان، (2) كيفية التعامل مع الممتلكات وتقدير قيمتها الأثرية والتاريخية سياحيا، وتأصيل عملية المحافظة والصيانة للمواقع وما فيها من آثار، (3) ملاطفة الآخرين والتودد لهم والتعامل معهم باحتراف مهنياً، (4) النهوض جماعيا بالسياحة الداخلية لتكون أولى الخيارات أمام المجتمع السعودي في كل عام، (5) كونها موردا ودخلا اقتصاديا مهما يتطلب صياغة أفضل الأنظمة والقوانين للحماية والتنمية والتطوير. إلا أن واقع السياحة في جميع المحاور ما زال يحتاج إلى الخروج من الدائرة المغلقة.
لو أننا قارنا نزلا بسيطا يقدم غرفة مع الإفطار في دولة من الشرق الأقصى أو الغرب لوجدنا أن كل نزل يعرض أسعار خدماته بكل شفافية، وكل موظف يعرف كل ما يدور من أنشطة في تلك القرية أو المدينة. كما أن النشرات والمطويات والرسائل الإلكترونية والأدلة المتوافرة في كل مكان تغني السائح عن أن يطوف في كل المدينة باحثا عن أهمية هذا المكان أو ما هي كنوزه ومميزاته. أعتقد أن الآن هي فرصتنا الواعدة فدول عديدة كانت تُقصد لقضاء الإجازات أصبحت تمر بظروف شغلتها عن ذلك وبالتالي، فالبديل لا بد أن يكون ''ربوع بلادي''. هذا يعني فك طلاسم ''غلاء الأسعار''، ''وعدم توافر بعض الخدمات''، ''وبدائية بعض الفعاليات''، ''ومحدودية المواصلات''، ''وصعوبة الاتصالات''، ''وجمود المنظر العام للمدينة أو الموقع السياحي''... إلخ.
واقعيا تتمتع إدارة الهيئة بشفافية عالية تحسب لها، إلا أن عدم ترابط الجهات وضعف مقدم الخدمة معلوماتيا ووجودا مكانيا تجعلنا دائما في حالة مقارنة وصلت بنا لمرحلة التشبع من ذلك. فمع مرور 12 عاما إلا أن كثيرا من الخدمات الأولية البسيطة تكاد تكون معدومة. فالرقم الموحد إما أن يكون الاتصال به متقطعا وإما أن التحويلات التي تبحث عنها تنتهي إلى إنهاء المكالمة. كما أن هناك مواقع تتطلب السفر براً لعدم إمكانية السفر جواً ولأن خدمات الطرق ما زالت مشكلة مستعصية، فمقارنتنا دائما لا تنتهي لمصلحة ما يبذل من جهود وهي كبيرة حسب الأخبار والتقارير المنشورة.
إنه بقراءة التقارير ومقارنتها بالخطط التنفيذية والتمحيص في الإحصاءات التي تركز إلى المقارنة بمؤشرات وضعت لتقيس مدى تحسن وتقدم السياحة بعد عقد من الزمان، تدلل على أن تناول موضوع السياحة يحتاج إلى أن ننهض به بسرعة. يمكن البدء بالمواصلات بأنواعها الثلاثة والاتصالات بمختلف تقنياتها، والموارد البشرية وجاهزيتها العددية والمعلوماتية، وتحسين المواقع مدنا وقرى ومساحات أثرية سيقفز بالميزانية إلى حدود عالية، ولكنها في هذا الزمن مطلوبة بشكل عاجل.
أعتقد أن الدراسات لا بد أن تأخذ منحى جديدا يكون من ضمن الأهداف فيها تحديد المطلوب عمله ومن ثم تسهيل تنفيذه بدلا من الاستمرار في قياس مستوى التحسن والتطوير الذي أصبح مسألة مفروغا منها. نحن نحتاج إلى طرح أسئلة عديدة منها: إذا كان هناك متابعة وتكامل أعمال فلماذا لا يفرض على كل بناء يخصص كنزل أو سوق أن يقدم خدماته للمعوقين مثلهم مثل غيرهم؟ وهذا ينطبق على باقي المواقع السياحية. لماذا تتأخر الخطط الاستثمارية للمواقع المكتشفة وتسهَّل لها الزيارة ويضخ لها الغالي والنفيس؟ لماذا لا تكثف برامج السياحة على مدار العام ولا تقتصر فقط على أشهر الصيف أو إجازة الربيع؟ لماذا لا يحفز المحليون في كل منطقة على استثمار مواقعهم وممتلكاتهم وأنشطتهم في سبيل إيجاد جهات سياحية من نوع جديد يمكن أن تجتذب لها بعض السياح؟
ليتنا نسمع للشباب ونوفر لهم ما يمكنهم من إظهار مهاراتهم بعد التدريب والتوجيه وبالطبع التحفيز المادي. إن هؤلاء طاقات بدأت تبرز في مختلف الفنون فلماذا لا نتعرف على ما لديهم من مكنون؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي