نايف سمو الإنجازات.. مهندس أمن التنمية
''أهنئهم على هذا الفضل من الله والفخر الذي يجب أن يفتخروا به أن أبناءهم كانوا شهداء في سبيل الله وأنهم يجب أن يكونوا مطمئنين بأن الدار الآخرة ستكون لهم أفضل - إن شاء الله - من الدنيا، وأن الإنسان مصيره الموت طال به الزمن أو قصر، لكن الذي يموت في هذه البقعة الشريفة هو المحظوظ دنيا وآخرة''، (جريدة ''الجزيرة''، عدد 2684، ص 9، تاريخ 5/12/1979). كلمات خالدة صدح بها الأمير نايف، طيب الله ثراه، لأسر شهداء الواجب في الحرم المكي الشريف بعد تطهيره من محتليه من مجموعة من الفئة الضالة مطلع عقد الثمانينيات الميلادية.
أعاد الملك خالد بن عبد العزيز - طيب الله ثراه - في صبيحة الثامن من شوال 1375هـ تشكيل مجلس الوزراء وتعيين الأمير نايف - طيب الله ثراه - وزيراً للداخلية. ووصف سموه مشاعره بمناسبة تعيينه وزيراً للداخلية مسلطاً الضوء على نظرته في قيادة الوزارة بأنها: ''مشاعر الاعتزاز والثقة، وأرجو أن أكون عند حسن ظن جلالة الملك المعظم لتأدية الواجب للدين والملك والوطن. إن وزارة الداخلية هي كأي وزارة سائرة حسب سياسة الدولة في التطور الدائم والمستمر''، (جريدة ''الجزيرة''، عدد 1326، ص 5، تاريخ 14/10/1975). ''لا شك أننا جميعاً نؤمن بأن الاستقرار هو أساس كل شيء.. وأن وزارة الداخلية عليها مسؤولية تحقيق هذا الاستقرار،'' (جريدة ''الجزيرة''، عدد 1413، ص 3، تاريخ 4/2/1976).
تزامن إعادة تشكيل مجلس الوزراء وتصريح الأمير نايف - طيب الله ثراه - مع حدوث نقلة اقتصادية في تاريخ المملكة عندما اكتمل تنفيذ الخطة الخمسية الأولى (1970- 1974)، وبدأت الخطوات الأولى نحو تنفيذ الخطة الخمسية الثانية (1975- 1979). كان من أهم أهداف هذه الخطة توسيع البنى التحتية، وزيادة الطاقة الاستيعابية للصناعات غير النفطية. وكان من أهم مخرجات هذه الخطة إعادة رسم خريطة التوزيع السكاني للشعب السعودي، بزيادة نسبة سكان المدن من 20 في المائة في 1970 إلى 42 في المائة في 1980، وتراجع نسبة سكان القرى من 20 في المائة في 1970 إلى 12 في المائة في 1980.
دخل الاقتصاد السعودي عقد الثمانينيات الميلادية معتمداً على النوعية عوضاً عن الكمية من خلال الخطة الخمسية الثالثة (1980-1985). وعلى الرغم من طموح أهداف هذه الخطة، إلا أن بداية تنفيذها تزامنت مع حادثة احتلال الحرم المكي الشريف من قبل مجموعة من الفئة الضالة. يقول الأمير نايف - طيب الله ثراه - بعد تنفيذ شرع الله في أفراد هذه الفئة الضالة، ومسلطاً الضوء على رؤيته المستقبلية نحو أمن المملكة: ''لا شك أن حادثاً كهذا سيوجد تساؤلاً كبيراً لدى الجميع سواء داخل المملكة أو خارجها بالنسبة لما تتمتع به المملكة من حالة أمنية قد تكون نادرة في مثل هذا العصر، وهذا أمر واقع .. وستكون القبضة قوية وسنضرب بيد من حديد ولن نتساهل بأي حال من الأحوال'' - (جريدة ''الجزيرة''، عدد 3724، ص 15، تاريخ 14/1/1980).
دخل الاقتصاد السعودي عقد التسعينيات مسلحاً بأهداف الخطة التنموية الخمسية الخامسة (1990-1995) والسادسة (1995-2000). تزامن تنفيذ هذه الخطط مع تطورات سياسية وعسكرية إقليمية أسهمت في تعديل أهدافها بما يتوافق والمستجدات الراهنة. لعل من أهم أهداف الخطة الخمسية الخامسة (1990- 1995) التركيز على الاستثمارات كمحور ارتكاز رئيس في تحقيق النمو الاقتصادي بمستهدف نمو في حجم الاستثمارات الأجنبية بمقدار 2.7 في المائة.
لم توشك عملية تنفيذ الخطة على الاكتمال، إلا وحدث تطور وطني أمني مهم تمثّل في تفجير العليا كأول عملية من هذا النوع داخل الوطن. صّرح الأمير نايف - طيب الله ثراه - عند تفقده موقع الجريمة في اليوم ذاته بتصريح وضّح فيه تقييمه الأولي للحدث عندما قال - طيب الله ثراه: ''إن المملكة جزء لا يتجزأ من هذا العالم، ولا يجب استبعاد حدوث الجريمة المنظمة فيها. إن وزارة الداخلية ستعطي الحقائق كاملة للمواطن السعودي وللرأي العام سواء داخل المملكة أو خارجها''، (جريدة ''الجزيرة''، عدد 8447، ص 7، تاريخ 14/11/1995).
إعادة تشكيل مجلس الوزراء في منتصف السبعينيات الميلادية، وحادثة الحرم المكي الشريف بداية الثمانينيات الميلادية، وتفجير العليا منتصف التسعينيات الميلادية. جميعها أحداث مهمة في مسيرة الأمير نايف - طيب الله ثراه - في خدمة دينه ومليكه ووطنه. مسيرة احتوت على مجموعة من الدروس القانونية الدبلوماسية التي تزامنت مع تطورات في الاقتصاد السعودي على الأصعدة المحلية، والإقليمية، والدولية. مدارسة مهمة لا يمكن أن نسلط الضوء عليها دون أن نستذكر أحد الأقوال المهمة لسموه - طيب الله ثراه - مطلع العام الماضي في افتتاح مؤتمر العمل البلدي الخليجي السادس،
حيث قال - طيب الله ثراه: ''أهنئ قيادة هذا الوطن، بشعبه رجالاً ونساءً كبارًا وصغارًا على وقفتهم الأبية الكريمة الوفية. لقد أراد بعض الأشرار أن يجعلوا من المملكة بالأمس مكانا للفوضى والمسيرات الخالية من الأهداف السامية ولكنهم أثبتوا أنهم لا يعرفون شعب السعودية. إن هنا شعباً واعياً، شعباً كريماً، شعباً وفياً، لا تنطلي عليه الافتراءات، إنه يعرف نفسه، لقد أثبت شعبنا للعالم كله أنه في قمة التلاحم مع قيادته أمة واحدة متمسكون بدستورهم كتاب الله وسنة نبيه. الشكر مهما كان فهو قليل لهذا الإنسان السعودي الكريم. إنني على ثقة كاملة بأن هذا كان له وقع كبير والأثر الفاعل في قلب وعقل سيدي خادم الحرمين الشريفين ومثلما نقول اليوم شكراً وهنيئاً لمليكنا بشعبه، سنقول غدًا شكرًا لخادم الحرمين الشريفين وهنيئاً للشعب بمليكه''.
رحلة كبيرة من المسؤوليات لم تسهم فقط في تحقيق الأمن والاستقرار وتوفير أسباب الطمأنينة والأمان لأبنائها، إنما أسهمت كذلك في دروس جمة في فنون الحفاظ على سلامة المجتمع السعودي وضمان تقدمه وتحقيق أسباب رفاهيته، بعون الله تعالى وتوفيقه. أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يلهمنا جميعاً الاحتساب والصبر، وأن يعظم لنا المثوبة والأجر، وألا يرينا مكروهًا في عزيز لدينا.