الإذاعة والتلفزيون.. من التبعية إلى الاستقلال
وأخيراً صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على تحويل مرفق الإذاعة والتلفزيون إلى هيئة عامة للإذاعة والتلفزيون، والمشروع لم يكن جديداً فقد بدأ طرحه في عهد وزير الإعلام الأسبق علي الشاعر، ولكن العوائق كانت في ذلك الوقت أكبر من أن يمر عبرها هذا المشروع، وفي عهد الوزير الدكتور فؤاد الفارسي عاد الملف إلى الواجهة، ولكنه لم يستمر طويلاً، فسرعان ما رجع الملف مرة أخرى إلى إضبارات الوزارة.
ولكن في عهد الوزير إياد مدني ُدفع الملف بقوة إلى الواجهة واقترن بتصريحات رسمية من لدن الوزير شخصياً تُبشّر بقرب الإعلان عن استقلال الإذاعة والتلفزيون عن وزارة الإعلام، بيد أن المشروع بلغ آخر مداه بوصول الوزير الدكتور عبد العزيز خوجة إلى سدة الوزارة، وكان هذا المشروع من أهم المشاريع التي تبناها الوزير خوجة، وفي عهده خرج المشروع إلى النور وبدأت بالفعل مراحل قيام الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.
ولا أود أن أعدد المزايا الإدارية والمالية للهيئة المستقلة، فقد كفاني في ذلك كثير من الزملاء، ولكن ما يجب أن نبحث فيه هو دور الإذاعة والتلفزيون في بحث مشاكل المجتمع السعودي، التي أصبحت من الخطورة بحيث إنها تحتاج إلى منهجية موضوعية جديدة بعيدة عن سلسلة هائلة من الرقابة المعيقة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. والأهم من هذا أن المشروع الجديد ما زال ينتظر كثيرا من الإيضاحات الضرورية، وبالذات فيما يتعلق بحدود السلطة والمسؤولية، لأن مفهوم ''الهيئة'' في الفكر الإداري السعودي يعني تحويل الإذاعة والتلفزيون إلى مؤسسة عامة يديرها مجلس إدارة مستقل بعيداً عن هيمنة وزارة الثقافة والإعلام مثل هيئة السياحة والآثار، وهيئة الاستثمار، وهيئة الأمر بالمعروف، وهيئة التحقيق والادعاء العام.
إن وسائل التقنية الحديثة التي جاءت بالإعلام الجديد لم تُبق على رقابة وزارات الإعلام، أي أن الإنترنت بكل وسائله العصرية المذهلة ألغى وظيفة الرقابة وبدأ يسجل حضوراً قوياً ومؤثراً في اتجاهات الرأي العام، ولذلك كان حري بالإذاعة والتلفزيون أن يقتحما كل السدود ويناقشا كل المشاكل التي يعانيها المجتمع، وبالذات المشاكل التي يعانيها الشباب.
لا أحد ينكر أن الإذاعة والتلفزيون حينما كانا من أجنحة وزارة الإعلام ووزارة الثقافة والإعلام لم يستطيعا أن يكونا قريبين من المستمع والمشاهد السعودي، ولذلك انصرف المستمع والمشاهد السعودي إلى الفضائيات التي احترفت كيف تكون قريبة من عقول شبابنا.
وإذا كان مقبولاً من الإذاعة والتلفزيون في السابق أن يقدما برامج تقليدية لا تستهوي السامع والمشاهد، فالآن في ظل الهيئة المستقلة لم يعد مقبولاً منهما أن ينعزلا عن الجماهير السعودية المتعطشة إلى إعلام وطني شفاف ونزيه وموضوعي.
إننا ننتظر من الهيئة أن تعلن عن شعار جديد للإعلام المسموع والمرئي وليكن هذا الشعار هو ''رضا الجماهير'' ثم تعمل الهيئة ما وسعها من جهد كي تلبي طلبات الجماهير.
الوضع يحتاج من الهيئة أن تُخرج الإذاعة والتلفزيون من برجهما العاجي وتكثفا برامجهما الملتحمة بالجمهور وتتغلغلا في الشارع وتلتقطا منه برامجهما، ولا نريد إطلاقاً أن تكون معظم البرامج من داخل الاستوديوهات، لأن التلفزيون الناجح هو التلفزيون الذي يلتقط برامجه من الشارع ويسبر أغوار الشارع، وبالذات الشوارع الخلفية أو الشوارع المخفية حتى يستطيع التلفزيون أن يعبر عن فعاليات جميع الشرائح المختلفة في المجتمعات السعودية.
في الماضي كانت المرأة وقضاياها منزوية عن التلفزيون السعودي، ولكن في ظل الهيئة يجب أن تنزل قضايا المرأة في التلفزيون الجديد، بل نريد كل مسائل الشباب أن تتصدر برامج الإذاعة والتلفزيون، فالشباب يعانون مشاكل كثيرة لا نرى طرحاً لها في التلفزيون أو الإذاعة.
وإذا كان في الماضي محظوراً إنتاج الأفلام السينمائية أو المسرحية، فإن التلفزيون في الوقت الحالي يجب أن يكسر هذا القيد، وأن يتقدم لإنتاج مجموعة من الأفلام السينمائية والمسرحية الهادفة، بل على التلفزيون أن يباشر في بناء دور للعروض السينمائية والمسرحية.
وإذا كان الكلام عن أداء مجلس الشورى محظوراً في الماضي، فإنه في ظل هيئة الإذاعة والتلفزيون يجب أن يُنتقد مجلس الشورى على أدائه الذي لم يكن مرضياً ألبتة لأن المجلس منع عن نفسه مداولة قضايا المرأة والشباب، وكأن هذين العنصرين ليسا من مكونات المجتمع السعودي، كما أن مجلس الشورى لم يعط قضايا المخدرات والتعصب القبلي حقه من البحث والمناقشة وطرح الحلول.
نعم، بصدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة على تحويل الإذاعة والتلفزيون إلى هيئة عامة تكون وزارة الثقافة والإعلام قد أصبحت وزارة للثقافة فقط، فالصحافة قبل الإذاعة والتلفزيون في حكم الهيئة المستقلة، بل إن الصحافة أُمعن في استقلالها بصدور نظام المؤسسات الصحافية الأهلية في عام 1962، وباكتمال هيئة الإذاعة والتلفزيون تكون وزارة الثقافة والإعلام قد فقدت كل أجنحتها الإعلامية، ولم يبق إلاّ الثقافة التي نتمنى من الوزارة إعادة هيكلتها ووضع خطط استراتيجية للنهوض بالثقافة السعودية وبناء وسائل نشرها في جميع المناطق والقرى والهجر، ولنكن صرحاء فالثقافة لم تعن بها وزارة الثقافة والإعلام ولا نعرف إن للثقافة برامج وخطط تستهدف تعميم الثقافة السعودية ونشرها في كل أنحاء المملكة، بل كنا نعيش على مفاهيم خاطئة تقول إن السينما والمسرح من أعمال الشيطان، وكان الأجدر بوزارة الثقافة والإعلام ألا تكتفي بالاهتمام الشكلي بمؤسستين ثقافيتين متعثرتين، وهما جمعية الفنون والأندية الأدبية، وهما مؤسستان فيهما عوار ونقص كبيرين.
والخلاصة إذا كنا نأمل من الإذاعة والتلفزيون شيئا كثيراً في ظل هيأتها الجديدة، فإننا نرجو من وزارة الثقافة والإعلام أن تهتم كثيراً بالثقافة التي تعطلت طويلاً عند محطتين كسيحتين ما زال دورهما يكتنفه غموض كبير ومشكوك فيه.