ماذا فعل بنا تويتر؟
شكل توتير قناة قوية للتفاعل مع الآخرين، وأجبرهم على التفاعل بصورة مباشرة ومختصرة وصريحة دون مواربة أو مجاملة. وفي الوقت نفسه، أبرز ''تويتر'' أن معظم المغردين يميل إلى التعبير عن أمنيات ومشاعر أكثر من أن تكون مبنية على عقلانية ومنطقية. وأسواق الأسهم والعقار خير دليل على ذلك. فمعظمهم يريد أن يكسب دائما من الأسهم، ويريد أن يهبط العقار. وشبكة تويتر تشكل عينة جيدة جدا من المجتمع السعودي، فحسب آخر الإحصاءات فإن عدد السعوديين في ''تويتر'' يقترب من 400 ألف مغرد، وفي ظني أن أغلبهم من طبقة ذوي الدخول الجيدة (المتوسطة) التي تمتلك أجهزة كمبيوتر وهواتف تمكنهم من التواصل بشبكات التواصل الاجتماعي. كما أن درجة التعليم توحي بأن معظمهم، إما طالبا في الجامعة أو تجاوز هذه المرحلة منذ فترة طويلة. ومعظم السعوديين في ''توتير'' مهتمون بالصورة والفيديو أكثر من مناقشة العبارات وعرض الأفكار ما عدا في بعض الأحداث المهمة، وخصوصا عند الخروج على النص، حيث تجد أن معظمهم محافظ بطبعه. ويبدأ مستخدمو ''تويتر'' في السعودية في التعرف أولا على المشاهير والمعروفين من الكتاب والإعلاميين، ثم ينطلقون لتكوين ما يشعرون أنه يعبر عن ذواتهم.
ورغم أن المستخدم الجديد في ''تويتر'' قد يبدأ بالتذمر والاعتراض واستعراض سلبيات المجتمع، فإنه سرعان ما يتحول بالتدريج إلى العقلانية والمنطقية، خصوصا وأنه يتعرف على أفكار الآخرين، ويتأثر بالتغريدات الإيجابية والمدعومة بقوة الحجة وعمق المعرفة. وأفضل ما قدمه ''تويتر'' لمجتمع المغردين هو في تعرفه على مساحة التفكير الواسعة بين المغردين من يساري ليبرالي إلى يساري إسلامي وما بينهما من ألوان الطيف. ويعيب الاعتماد على ''توتير'' بأنه قد يؤدي إلى التغذية فقط على كبسولات معلوماتية قد ترسخ القناعات أكثر من قدرتها على توسيع المدارك والمعارف. فالاعتماد على ''تويتر'' يؤدي إلى الرغبة في قراءة أكثر تغريدات ممكنة، وتحاشي فتح الروابط للمقالات والمدونات، مما يجعل البعض أسيرا لأفكار معينة دون تمحيصها. ''وتويتر'' ـــ نقل معظم المغردين ـــ من قراء صحف ومشاهدي تلفزيون ـــ إلى قراء تغريدات فقط، مما يزيد في تسطيح الأفكار وتغييب الوعي لدى البعض. وقد لا يرى ذلك البعض الآن، إلا أنه وعلى المدى الطويل فإننا قد نلحظ ذلك على شريحة كبيرة من المستخدمين. خصوصا إذا استمر الاعتماد على ''توتير'' كمصدر رئيس للمعلومة والقراءة.
وقد ساهمت أحداث الربيع العربي في زيادة أعداد السعوديين المنضمين لـ ''تويتر''، ولم ينقسم السعوديون كثيرا حول حق تلك الشعوب في التغيير، لكنهم اكتشفوا أن الأمن والاستقرار أولا قبل عملية تغيير محتملة. فتجد أن هناك نبذا للعنف والقتل والتخريب والتغيير بالقوة، وإصرارهم على أن الحوار هو الأفضل مهما تباعدت الأفكار. والحقيقة أن ''تويتر'' فتح آفاقا جديدة لمغردين جدد ـــ سواء بأسماء صريحة أو غير ذلك ـــ حيث سمح لهم تقديم أفكار جميلة وقوية سواء كان أدبا أو شعرا أو سياسة أو اقتصادا. وفي اعتقادي أنه المكسب الأهم الذي يقدمه ''تويتر''، فمعرفة قدرات المغردين الكتابية والفكرية، تضيف على الكتاب المعروفين وغيرهم عبئا أكبر في تقديم الأفضل والأميز. وكشف ''تويتر'' أن بعض الكتاب يفتقد أساسيات في المجال الذي يكتبون فيه، ففي الاقتصاد والمال والعقار تجد أن البعض يفتقد فهم أساسيات مهمة قبل تقديم أفكاره وآرائه في موضوع معين. فقد انقسم السعوديون في فعالية ومفهوم تأثير الضريبة والرسوم على القطاع العقاري، واختلفوا حول سوق الأسهم والعوامل المؤثرة فيه، وكذلك السياسات المالية والنقدية للمملكة، وإجمالي الناتج المحلي وغيرها من المواضيع المهمة. كل تلك الاختلافات وضعت من ''تويتر'' ساحة حوار جميلة تعكس طيفا رائعا من شريحة مهمة للمجتمع السعودي. وقد أثبتت هذه الشريحة أنها حريصة على استقرار المنطقة العربية والإسلامية، وحرصها على الوحدة الخليجية، والوحدة الوطنية.
ومع كل ذلك، فإن البعض يحتاج إلى استراحة محارب في العودة إلى قراءة أمهات الكتب كلٌّ في مجاله. والاطلاع على الأبحاث والمقالات الجادة، وتوسيع المدارك كلٌّ في تخصصه حتى لا يحولنا ''توتير'' إلى مجرد مستقبلي معلومات خاطئة أو صائبة غير قادرة على مقابلتها برصيد ثقافي يفرق بين الغث والسمين.