هل تنوي إسرائيل احتلال سيناء مرة أخرى؟
يقوم الكيان الصهيوني في الفترة الأخيرة بمناورات عدة في أماكن مختلفة، تهدف إلى الاستعداد لأي طارئ قادم خلال المرحلة المقبلة، ولمواجهة التحديات الكبيرة في ظل التقارير الصهيونية التي تؤكد وصول أسلحة متطورة إلى حركة حماس في قطاع غزة، والاستعداد لرد الفعل الإيراني- كما يزعمون- في حال توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية. وأوضحت التقارير الإسرائيلية أن المناورات تهدف إلى تدريب الصهاينة، ومعرفة مدى استعداداتهم في حال تم ضرب مدنهم، مشيرة إلى أن المناورات ستشمل مدينتي القدس وديمونة وجميع المستوطنات المجاورة لهما كمستوطنة بيت شيميش، حيث ستشهد المنطقة حركة غير اعتيادية لسيارات الأمن الصهيونية.
هذا هو النبأ كما نرى ونسمع، وتلك هي المبررات التي ساقتها إسرائيل لإجراء المناورات، إلا أن بعض الساسة لا يقبلون مثل هذه التصريحات، ولا يقنعهم مثل تلك المبررات، فهم (الساسة) ينظرون من طرف آخر، ويرون الأمر من جهة مختلفة. يرى بعض السياسيين أن هناك أجندات مبطنة ونوايًا خفية لم تظهر على السطح بعد. فإسرائيل تخشى ما يحدث في المنطقة العربية، خصوصًا في الدول المجاورة لها، فالعدو اللدود لإسرائيل ليست إيران، فليس بينها وبين إيران حدود جغرافية ولا مصالح متباينة، وهي لا تخشاها ألبتة. العدو التقليدي لإسرائيل هي الدول العربية المجاورة، ومناورات ضخمة كهذه لا تخلو من نوايا خبيثة ضد إحدى تلك الدول، ولا أظن الأمر يتوقف حول توجيه ضربة عسكرية، بل قد يتعدى ذلك إلى اجتياح مناطق كاملة، بل دول آمنة. ومثل هذا التصرف ليس استثناء، فإسرائيل عادة ما تستغل مثل هذا الصراعات الإقليمية لتحقيق مكاسب وطنية.
لكن ما السيناريوهات التي يمكن أن تنتهجها إسرائيل إذا افترضنا أن خوفها من إيران ما هو إلا هالة إعلامية لتوجيه الأنظار عن الأهداف الحقيقية، ولا يكون أبدًا سببًا جوهريًّا في مناورات ضخمة كالتي نسمع عنها بين الوقت والآخر. هناك تصورات عدة تظهر لنا في الأفق أهمها اجتياح إسرائيل سيناءَ حتى تصل إلى قناة السويس. وقد تحتل القناة، خصوصًا أن أحد الاستفتاءات الأخيرة بينت أن غالبية الإسرائيليين (نحو 90 في المائة) يؤيدون احتلال سيناء مرة أخرى. فسيناء منطقة غنية بالثروات من المسطحات الزراعية والثروة الحيوانية والنفط والمعادن والشواطئ والثروة السمكية وغيرها. وكل هذا يغري إسرائيل باحتلال سيناء مرة أخرى، خصوصًا أن الأوضاع السياسية والأمنية في مصر تشجع على ذلك، فلا دستور يحدد وجهة البلد، ولا رئيس يلتف الناس حوله، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية المزرية، والفساد الإداري والمالي الذي يضرب أطنابه بأرض الكنانة منذ أزل، فمصر الآن ليست مصر السبعينيات.
أما السيناريو الآخر فهو احتلال مدينة القنيطرة السورية التي تعد عاصمة محافظة القنيطرة، وهذه الأخيرة تضم هضبة الجولان المحتلة من قبل إسرائيل منذ عام 1973، كما أن مدينة القنيطرة نفسها قد تم احتلالها من قبل الجيش الإسرائيلي عام 1967 ثم عادت إلى سورية بعد اتفاقية فك الاشتباك عام 1974.
وهناك سيناريوهات أخرى وراء هذه المناورات، منها اجتياح الأردن بالكامل حتى تصل إلى حدود العراق، خصوصًا أن أبرز الساسة الإسرائيليين يرون الأردن أرضًا إسرائيلية لا يمكن التفريط فيها، أو احتلال جنوب لبنان مرة أخرى لتصفية الحسابات مع حزب الله، ولو أنني أرى هذا احتمالاً بعيدًا إلى حد ما.
ولو قلبنا الأمور وفقا لهذه التصورات فسنجد أنه من مصلحة إسرائيل سياسيًّا واستراتيجيًّا واقتصاديًّا اجتياح سيناء، فالجيش المصري وكذلك الشعب المصري مشغولون الآن بأزمتهم التي لن يفيقوا منها قريبًا، كما أن الجيش المصري جيش متهالك، وذو معدات قديمة، وأفراد غير مدربين، وسلاح قد لا يعمل ألبتة، فكل هذه نقاط إيجابية تصب في مصلحة إسرائيل. قد يقول قائل إن تصرفًا مثل هذا قد يوحد الجبهة الداخلية المصرية، ويضم شتاتها وينظم صفوفها، وهذا منطق سليم، إلا أن اتحاد الجبهة الداخلية لمصر لن يتم خلال 24 ساعة، فالوضع يحتاج إلى أسابيع عدة، بل أشهر، وإسرائيل تعلم علم اليقين أن سيناء أرض مصرية، وأنها لن تستطيع احتلالها إلى الأبد، لكنها تريد أن تفاوض الجانب المصري بوضعه المتردي وقوته المتهالكة حتى تحصل على تعويضات مجزية وتعهدات بحل بعض القضايا المعلقة، وسيرضخ الجانب المصري للخروج من الأزمة التي لم تكن في حسبانه، وفعلت إسرائيل هذا من قبل عندما احتلت سيناء سنة 1967، ثم أعادتها لمصر بعد معاهدة كامب ديفيد 1982، وخرجت بمكاسب لا يتسع المكان لذكرها.
والسؤال الآن: ما شروط إسرائيل لو افترضنا أنها اجتاحت سيناء مرة أخرى وأرادت أن تعيدها لمصر؟ في رأيي - أن أهم مطلب لإسرائيل هو أن يكون لها نصيب من مياه نهر النيل، وتمكين هذا النهر العملاق من الجريان في أراضيها حتى يغذي كل منزل في إسرائيل عبر الأنابيب، وقد تطلب امتداده إلى شمال الدولة العبرية ولها آلياتها ووسائلها في الاستفادة من مياه النيل وحماية مصادره من التفجير والتلوث. كما أنها ستفاوض على أسعار النفط والغاز والمعادن الذي تزخر به سيناء. والمطلب الآخر لإسرائيل لو افترضنا أنها اجتاحت سيناء هو سحق القوى السياسية التي ظهرت في الآونة الأخيرة كوصول جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، وهي تراقب الوضع من كثب، ولن تتردد في فتح جبهة مع مصر لو وصل الإخوان إلى الحكم.
هذه مجرد تصورات لأسباب المناورات التي تجريها إسرائيل في محاور عدة، والتي يجب ألا ينظر إليها بسطحية، بل وفقًا لمعطيات المرحلة الحالية، التي نتمنى من الدول العربية المعنية التعامل معها بجدية وعدم التصديق أن عدو إسرائيل هو إيران، أو أنها تريد من تلك المناورات حزب الله في جنوب لبنان، فالتغيرات السياسية للدول العربية المجاورة لإسرائيل ستعيد قضية العرب مع إسرائيل إلى المربع الأول.