القضية الإسكانية بين وزارتي الاقتصاد والتخطيط والإسكان
تجاوز الخامسة والثلاثين من عمره متزوج ولديه خمسة أبناء مجموع دخله وزوجته نحو 30 ألف ريال يقطن في دبلكس مؤجر بإيجار سنوي بأكثر من 50 ألف ريال لا يرى بالأفق أي بارقة لتملك مسكن فلا أرض يملكها وليست لديه مدخرات مليونية ليشتري منزلا مناسبا نقدا ولا يعلم متى يحصل على قرض الصندوق العقاري الذي لو توافر مع وجود الأرض المناسبة فإنه لا يكفي لبناء (عظم) منزل فما بالك وهو لا يملك الأرض؟
يقول تقدمت لأكثر من مؤسسة تمويلية لشراء فيلا ملائمة ورفض الطلب لأنه يعمل في شركة خاصة ولأسباب أخرى لا يعلمها خصوصا أن أسعار المنازل التي أعلن رغبته في شرائها باهظة الثمن نتيجة ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء والعمالة، يتمنى أن يحول الإيجار الذي يدفعه سنويا أو ضعفه لقسط سنوي لتملك المنزل بدل الإيجار الذي يتصاعد بمرور الزمن ويذهب هباء منثورا دون فائدة.
مثل هذا المواطن كثيرون ينجذبون بشدة لأي خبر أو مقالة أو تقرير أو تغريدة تتعلق بالإسكان ليغوصوا بكلماتها لعلهم يجدون ما يعدهم بخير ويمنيهم بأن الحل قريب، يفرحون عند سماع ما يشي بنزول أسعار الأراضي والعقارات وعندما تضخ الحكومة المليارات في صندوق التنمية العقارية وعندما يعلن بنك برنامجا للتمويل العقاري وعندما تنطلق وزارة الإسكان في بناء المشاريع الإسكانية التي لا يعرفون كيف سيتم توزيعها، ولكنهم في الوقت نفسه يصابون بالإحباط عندما تتكرر الجعجعة ولا يرون الطحن، يصابون بالإحباط عندما يرون أسعار الأراضي والمساكن والإيجارات في ارتفاع لأن الأراضي لم تعد مطلوبة لبناء العقارات إنما أصبحت مستودع ثروات هائلة اتخذت من العقار وسيلة لها للنمو السنوي الكبير، ويصابون بالإحباط عندما يعلمون أن هيئة الإسكان التي تحولت لوزارة عجزت حتى الآن عن إعلان استراتيجيتها في التصدي للقضية الإسكانية.
أحدهم يقول: حتى لو أطلقت الاستراتيجية فالمشكلة في تطبيقها فكم من استراتيجية أطلقت ولم تطبق وبقيت حبيسة الأدراج وكم من استراتيجية بدأ العمل فيها ما لبثت أن جمدت بمجرد أن تغير الوزير، وكم من برامج تنفيذية وتكتيكات مخالفة للكثير من الاستراتيجيات المعلنة نفذت وعطلت فاعليتها، وما استراتيجية التخصيص التي تستهدف زيادة حصة القطاع الخاص وتوسيع مساهمته في الاقتصاد الوطني وتمكينه من القيام بدوره في الاستثمار والتمويل وفق خطة التنمية الوطنية إلا مثال على التردد والتناقض بين الاستراتيجي والتكتيكي والسير البطيء.
وأقول هذا الواقع وهذه الإحباطات لم تكن لولا ما يراه الناس ويتداولونه حول كثير من العمل العشوائي غير المخطط سواء أعلنت الجهات المنفذة للأعمال خططها أم لم تعلن، وما يراه الناس من تحقق لنتائج عكس ما أعلن من أهداف في بعض الأحيان، ولقد حلل كثيرون أسباب ذلك وتوصلوا لسبب رئيس يتمثل في ضعف دور وزارة الاقتصاد والتخطيط أو عدم مشاركتها الفاعلة في إعداد الخطط الاستراتيجية وبرامجها الاستراتيجية ومشاريعها التنفيذية للوزارات والهيئات الحكومية في إطار خطط التنمية الخمسية وعدم قدرتها على مراقبة الالتزام بهذه الخطط لضمان تنفيذها بأعلى كفاءة ممكنة وعدم تجميدها أو تغييرها بمجرد أن يتغير المسؤول.
نسمع منذ مدة أن وزارة الإسكان تعد خطة استراتيجية للإسكان بالاستعانة بشركة غربية متخصصة في مجال التخطيط الاستراتيجي ولم نسمع أن وزارة الإسكان تعد خطة استراتيجية للإسكان بالتعاون مع وزارة التخطيط لإيجاد صناعة عقارية تعزز قوة عناصر السوق العقارية ليتمكن الجميع من شراء المسكن الملائم في الوقت المناسب من العمر بضمان الأصول والدخل سواء بقدرة المشتري منفردا أو بقدرته وبدعم من الحكومة من خلال برامج داعمة للمشتري وأخرى محفزة للمطورين.
وفرق كبير بين أن تعد وزارة الإسكان استراتيجية يدخل في إعدادها البعد العاطفي والمصالحي (حتى لو كان المحافظة على المنصب) للقائمين على الوزارة ويمكن أن يتم تأخير تطبيقها أو تغييرها أثناء التطبيق أو تجميدها وبين أن تعد وزارة الاقتصاد والتخطيط بالتعاون مع وزارة الإسكان استراتيجية إسكانية مجردة من العواطف والمصالح في إطار خطط التنمية الخمسية تلزم الوزارة بتنفيذها وعدم تجميدها أو الحياد عنها أو تغييرها إلا بمبررات منطقية كتطويرها بعد الاستفادة من التغذية الراجعة حتى وإن تغير المسؤولون كافة، بكل تأكيد الخطة الثانية ستكون أكثر فاعلية وكفاءة ويمكن قياس مدى التقدم فيها من خلال مؤشرات مرجعية بكل تجرد وحيادية.
وزارة الإسكان حسب ما يبدو لي من تصريحات مسؤوليها اتخذت مسار بناء المساكن وتوزيعها كمسار رئيس لحل المشكلة الإسكانية وطلبت لذلك الأراضي والموازنات وهو مسار لا يمكن أن يواجه الطلب المتزايد على المساكن مهما توافرت من أراض ومن موازنات مع علمنا أن توافر الأراضي في المناطق الرئيسة الثلاث أمر صعب، النخب الاقتصادية والمواطنون يتطلعون لصناعة عقارية تمكن الطبقة المتوسطة والثرية من شراء المسكن الملائم للعمر وحجم العائلة والدخل بضمان العين العقارية والدخل في مقتبل العمر باعتباره الحل الأمثل خصوصا أنهم قادرون على دفع الإيجارات وكل ما في الأمر تحويل هذه الإيجارات لأقساط شهرية تمكنهم من التملك الكامل للمسكن خلال 20 عاما كما هو متعارف عليه دوليا.
ختاما: أود أن أقول إنه لم يعد الوقت يسمح بالتجربة والخطأ والمواطن يريد حلا استراتيجيا وعاجلا للمشكلة الإسكانية ونتطلع أن تلعب وزارة الاقتصاد والتخطيط دورا كبيرا في التخطيط للإسكان وجميع الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والبنى التحتية لكي يتحقق التراكم الفعال في الإنجاز والكفاءة المثلى في استخدام الموارد المتاحة بما في ذلك الوقت كمورد بات حاسما في كثير من القرارات والخطط.