التنافس بين تقنيات صناعة الطاقة الشمسية يعيد هيكلتها
المتعارف عليه هو أن مصادر الطاقة المختلفة تتنافس فيما بينها للحصول على حصة أكبر في مزيج الطاقة، على سبيل المثال يتنافس الغاز مع الفحم والطاقة المتجددة مجال توليد الطاقة، في الواقع هناك تنافس أيضا بين المصدر نفسه من الطاقة، مثل تنافس الإمدادات النفطية من داخل منظمة أوبك وخارجها للحصول على حصة أكبر في الأسواق أو حتى بين الدول المنتجة مع بعضها. هذا الأمر ينطبق أيضا على مصادر الطاقة المتجددة، حيث تتنافس تقنيات صناعة الطاقة الشمسية فيما بينها.
في الوقت الحاضر الخلايا الشمسية أو ما يعرف بالخلايا الكهروضوئية Photovoltaic PV، التي تقوم بالتحويل الكهروضوئي المباشر، أكثر انتشارا في العالم من منافستها تقنية التركيز الحراري للطاقة الشمسيةConcentrated solar power CSP، بحلول عام 2011 كان هناك نحو 67 غيغاواط في العالم تنتج عن طريق الخلايا الكهروضوئية. على النقيض من ذلك تقنية التركيز الحراري للطاقة الشمسية المبنية على أساس التكنولوجيا التقليدية تعتبر محدودة الانتشار في العالم: تستخدم هذه التقنية مجموعات من المرايا أو العدسات لتركيز أشعة الشمس لتسخين المياه وإنتاج البخار، الذي من ثم يقوم بتدوير التوربينات لتوليد الطاقة الكهربائية. تم بناء أول محطة من هذه التقنية في ثمانينيات القرن الماضي في جنوب غرب الولايات المتحدة بطاقة 350 ميغاوات، تلت ذلك فترة ركود خلال عقد التسعينيات. بعد عام 2000 قادت إسبانيا عملية إحياء استخدام هذه التقنية، وخلال أقل من عقد من الزمن تم بناء 1.3 غيغاواط، هناك نحو 1.7 غيغاواط أخرى قيد الإنشاء حاليا في كل من إسبانيا، الولايات المتحدة، الإمارات، المغرب، جنوب إفريقيا، والهند، هذه المشاريع تعتبر كافية لبقاء الصناعة مشغولة خلال العام الحالي والقادم وربما حتى عام 2014.
الأمر الذي أثر سلبا في هذه التقنية انخفاض أسعار لوحات الخلايا الكهروضوئية بصورة كبيرة تجاوزت 60 في المائة على مدى السنة والنصف الماضية. حيث أثر هذا الانخفاض في الأسعار بصورة كبيرة في أسواق الشركات المنافسة التي تعتمد تقنية التركيز الحراري، لا بل حتى دفع بعض الشركات، خصوصا الأمريكية، إلى إعادة النظر في التقنية التي سيستخدمونها في مشاريعهم المستقبلية للطاقة الشمسية. على الرغم من محدودية الأسواق وارتفاع تكاليف تقنية التركيز الحراري، لكنها تعتبر أكثر استقرارا وموثوقية مقارنة بتقنية الخلايا الكهروضوئية ومع توربينات الرياح، هي تعتبر ملائمة بالنسبة لمشغلي الشبكات الكهربائية.
تقنية التركيز الحراري للطاقة الشمسية مثل غيرها من تقنيات الطاقة المتجددة، لا تولد أي كربون أو ملوثات ولا تتعرض لتقلبات أسواق الطاقة، بل هي أيضا يمكن تحميلها على الشبكة الكهربائية: الشمس هي أكثر موثوقية من الرياح، كما أن تقنية التركيز الحراري يمكنها أن تستوعب بسهولة التغيرات في ضوء الشمس أكثر من لوحات الخلايا الضوئية. إضافة إلى ذلك، يمكن لمحطات التركيز الحراري للطاقة الشمسية توفير استقرار في إمدادات الطاقة حتى في الليل، وذلك لأن لها القابلية على تخزين الحرارة. لقد تمكنت محطة من هذا النوع في إسبانيا بطاقة 20 ميغاواط من توفير تيار كهربائي دون انقطاع لمدة 24 ساعة كاملة باستخدام الملح المنصهر لتخزين الحرارة. هذا التطور المهم قد يفتح الباب للطاقة الشمسية لتوليد أحمال مستمرة من الكهرباء من المحتمل أن تنافس الطاقة النووية والفحم. لكن من ناحية أخرى، تتطلب هذه التقنية أشعة شمس مباشرة وقوية، ما يحصر إمكانية استخدامها في مناطق محددة فقط مثل الشرق الأوسط، جنوب إسبانيا، جنوب غرب الولايات المتحدة، جنوب إفريقيا، أستراليا، وأجزاء من البرازيل وشيلي. هذا يحدد من حجم السوق لهذه التقنية ما لم تكن البنية التحتية الباهظة الثمن متوافرة أصلا.
في الوقت الراهن لا تزال تقنية التركيز الحراري للطاقة الشمسية أكثر تكلفة بكثير من الطاقة التقليدية وطاقة الرياح. هذه التقنية تشترك مع بعض الصناعات المتخصصة في العديد من الميزات الهندسية من حيث التعقيد، المواد المطلوبة، تقييس المكونات وعمليات التجميع. سلسلة التوريد لتقنية التركيز الحراري لا تزال تفتقر إلى التطور والتكامل الصناعي، لكن الذين يدعمون هذه التقنية يقولون إنه عندما يتم إطلاق عدد كاف من المشاريع، سيتم الوصول بالصناعة إلى الإنتاج الصناعي الضخم ما يساعد المصنعين على تحقيق وفورات في التكاليف. استنادا إلى بيانات الصناعة الأخيرة، يكلف حاليا بناء كيلوواط واحد باستخدام التركيز الحراري للطاقة الشمسية نحو خمسة آلاف دولار، مقارنة بثلاثة آلاف دولار باستخدام الخلايا الكهروضوئية، 1500 دولار لطاقة الرياح وألف دولار لإقامة محطة غازية بنظام الدورة المركبة. يعتقد مؤيدو تقنية التركيز الحراري أنه بالإمكان خفض التكاليف الاستثمارية إلى النصف. يشير البعض إلى أن تقنية التركيز الحراري يمكن أن تصبح تنافسية بحلول نهاية هذا العقد إذا ما تم الأخذ في الاعتبار ارتفاع أسعار الوقود التقليدية وإضافة كلف وانبعاثات الكربون إلى المحطات التي تعمل بالفحم والغاز.
لتحقيق هذه المستوى من التخفيضات في التكاليف الهائلة، تحتاج تقنية التركيز الحراري إلى دعم كبير. لكن بدلا من ذلك، تواجه اليوم أزمة من التباطؤ الاقتصادي والتخفيضات في الميزانية في الدول الغربية، ما دفع الشركات إلى أن تتجه إلى الدول الناشئة لتسويق وتصنيع هذه التقنية، سواء المنتجة للنفط مثل الجزائر والسعودية، أو المتعطشة للطاقة مثل جنوب إفريقيا والهند، حيث يمكن للصناعة المحلية هناك أن تخلق فرص عمل جديدة تساعد على خفض التكاليف وتبرر دفع كلف إضافية للطاقة الشمسية.
لكن مع كل ذلك قد لا تكون كافية للتنافس مع لوحات الخلايا الكهروضوئية. إن الدوافع الذاتية لخفض التكاليف تعتبر وسائل فاعلة جدا، لكن لديها قيود جوهرية، حيث إن تقنية التركيز الحراري تتطلب دائما كميات هائلة من المعدن والزجاج، كما أن قوانين الديناميكا الحرارية تحدد مدى تحسين كفاءة توربينات البخار. على النقيض من ذلك، لوحات الخلايا الكهروضوئية تقع ضمن مجموعة أشباه الموصلات، حيث إن خفض التكاليف في هذا المجال تبدو لا حدود لها، وقوانين الفيزياء لا تحد من مدى تحسين كفاءة الخلايا الكهروضوئية.
هبوط أسعار الخلايا الكهروضوئية لا يؤثر فقط في تقنية التركيز الحراري، بل أجبر أيضا على إعادة هيكلة صناعة الطاقة الشمسية العالمية، مع إفلاس عدد من شركات تصنيع الخلايا الكهروضوئية، خصوصا الأمريكية منها، نتيجة المنافسة الشديدة من قبل نظيراتها الصينية التي نجحت في خفض تكاليف الخلايا الكهروضوئية بصورة كبيرة.
في الوقت الحاضر تنظر الشركات المعنية بالطاقة الشمسية إلى تقنية التركيز الحراري على أنها تقنية مستقبلية، لكن في الوقت نفسه لم يغلقوا الباب أمام البحث والتطوير والاستثمار في بعض المشاريع، خصوصا في المناطق التي تكون فيها أشعة الشمس مباشرة وقوية للاستفادة من خاصية تخزين الطاقة وحاجة تلك المناطق إلى الطاقة.