هل تنجح عملية إنقاذ مصارف الزومبي الإسبانية؟ (1 من 2)
لفترة طويلة من الزمن، ومنذ انطلاق الأزمة المالية العالمية، ادعت إسبانيا أنها لا تحتاج إلى خطة إنقاذ لاقتصادها، كتلك التي قدمتها أوروبا لليونان أو إيرلندا أو البرتغال، على أساس أن الاقتصاد الإسباني (رابع أكبر اقتصاد أوروبي) أكبر من أن يسقط Too big to fail. إسبانيا أيضا تحاول دائما أن تبقي صندوق النقد الدولي بعيدا عن الصورة، حتى لا تغذي التخمينات حول المخاطر التي يمكن أن تلحق بالاقتصاد الإسباني، إذا ما دخلت إسبانيا في خطة للإنقاذ الاقتصادي على نمط الخطط المذكورة أعلاه. غير أن الأوضاع المالية لإسبانيا قد تفاقمت في أعقاب قيام مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني بتخفيض التصنيف الائتماني لإسبانيا إلىBBB وهو مستوى قريب من تصنيف الاقتصادات المقدمة على الإفلاس، بسبب الأوضاع المالية لمصارفها.
تعاني المصارف الإسبانية من قدر هائل من الأصول المسمومة (الديون المشكوك في تحصيلها) والناجمة عن فقاعة سوق العقار الإسباني، وهي القصة نفسها التي عاشها سوق العقار الأمريكي، والتي نجمت عن عمليات توريق الديون Securitization، ذلك الابتكار المالي الذي يسمح للمصارف بتجميع القروض العقارية التي تمنحها لعملائها المختلفين في حزم، ثم بيع هذه الحزم في أسواق المال في صورة أوراق مالية للاستثمار، يطلق عليها الأوراق المالية المغطاة بالرهون العقارية Mortgage-backed securities ، والتي للأسف الشديد يشتريها المستثمرون دون أدنى علم بطبيعة الغطاء الذي تحتويه تلك الأوراق، ولا يمكنهم بأي حال تحديد مستويات المخاطرة التي تحملها، على نحو معقول، سوى من خلال تصنيف محدد تمنحه إحدى مؤسسات التصنيف الائتماني لهذه الأوراق، والذي أثبتت التجربة أنه يمكن شراؤه بسهولة.
أدى نجاح المصارف في نقل مخاطر عمليات الإقراض إلى المستثمرين في سوق المال، والذين يسعون نحو المكاسب السريعة من خلال هذه الأدوات، إلى تشجيع المصارف على الإفراط في عمليات الإقراض بغض النظر عن الملاءة المالية التي يتمتع بها المقترضون، طالما أن هناك مستثمرين جوعى لمثل هذه الأدوات في أنحاء العالم كافة، لتنتفخ نتيجة لضخ هذه الأموال الضخمة أسعار العقار ومن ثم الغطاء المستخدم لهذه الأوراق المالية شبه الوهمية، حتى حدثت الكارثة وانفجرت فقاعة أسعار العقار.
حاولت الحكومة الإسبانية في البداية إنقاذ مصارفها الصغيرة، ووفقا للتقارير فإن الحكومة الإسبانية أنفقت نحو 15 مليار يورو لإنقاذ المصارف الصغيرة، غير أنه أصبح من الواضح اليوم أن عملية إنقاذ مصارفها الكبرى، والتي تحولت إلى مصارف زومبي، تفوق إمكانياتها المالية، أخذا في الاعتبار طبيعة الأوضاع المالية الحالية للدولة. على سبيل المثال مصرف بي إف إى بانكيا، ثالث المصارف الإسبانية من حيث الحجم، يسعى نحو الحصول على ميزانية إنقاذ بـ 19 مليار يورو (نحو 25 مليار دولار)، لذلك لم تجد إسبانيا بدا من طلب المساعدة من المجموعة الأوروبية لضبط الأوضاع المالية لمصارفها المترنحة حاليا.
مؤسسة فيتش تتوقع أن عملية إنقاذ المصارف الإسبانية قد تتطلب حوالي 125 مليار دولار، وهو نفس المبلغ الذي تقدمت به الحكومة الإسبانية لطلب المساعدة، غير أن بعض المصادر الأخرى مثل جي بي مورجان تقدر التكلفة بنحو 185 مليار دولار. يوم السبت الماضي وفي مؤتمر لوزراء المالية الأوروبيين تمت الموافقة على منح إسبانيا حزمة إنقاذ بـ 125 مليار دولار لإنقاذ قطاعها المصرفي. بمقتضى الاتفاق ستتولى الحكومة الإسبانية المسؤولية الكاملة عن المساعدة المالية، كما ستوقع مذكرة تفاهم بهذا الشأن، ولكن الأنباء الأولية تشير إلى أنه بموجب الاتفاق سيتولى صندوق إعادة الهيكلة المنظم للمصارف الإسبانية Fund for Orderly Bank Restructuring (F.R.O.B.) استلام هذه الأموال ثم إعادة تدويرها إلى المصارف الإسبانية. بهذا الاتفاق يرتفع الدين السيادي القائم على إسبانيا من 600 مليار يورو تقريبا إلى 700 مليار يورو، مضيفا بالطبع مزيد من الضغوط على ميزانيتها على الرغم من التطمينات بأن شروط الحزمة سهلة للغاية.