هل يكفي التعاطف مع المؤلفين «المسروقين» أم لا بد من العقاب؟
سلط المؤتمر الأخير حول حقوق المؤلفين الذي عقد مطلع الأسبوع الجاري في الرياض الضوء على موضوع السرقة الأدبية للحقوق الفكرية والفنية، وتأثيراتها المعنوية إلى جانب تأثيراتها المادية في إضاعة حقوق المثقف وجهده الذهني والفكري.
وطالب مسؤولون حكوميون اجتمعوا في مركز الملك فهد الثقافي الأحد الماضي بزيادة وعي الأفراد والمجتمعات إزاء الحقوق الفكرية، إلا أن مثقفين شككوا في جدوى التوعية بمفردها في ردع ''من تسول له نفسه سرقة مجهود أدبي'' مطالبين بإجراءات أشد وقعا على ''السارق'' وتعيد الحق والاعتبار ''للمسروق''.
وبدا واضحا في أروقة المؤتمر، أن لا تعريف واضحا لمفهوم ''السرقة الأدبية'' سوى ما تعارف الناس عليه، واتفق المثقفون عليه من أن السرقة الأدبية هي وصف لكل نقل غير شرعي لمجهود فكري أو فني دون إذن صاحبه، غير أن مختصين تشريعيين طالبوا بوصف أدق لهذه ''الفعلة'' يمكن من محاسبة ''الجناة'' ومعاقبتهم.
السرقة الأدبية.. مفاهيم مختلفة
يعرف الكثيرون السرقة الفكرية بأنها اغتصاب النتاج العقلي أيا كان نوعه ونشره دون الإشارة إلى المصدر الأصلي، وتتعدد أنواع السرقة بتعدد المجالات الإبداعية كالمجال الأدبي من شعر ونثر، والمجال العام كالكتابة بأشكالها كافة.
وباستثناء الفتوى الأخيرة من مؤسسة الأزهر الدينية بشأن ما يعرف بالسرقات الأدبية، فإن مؤسسات الفتوى الإسلامية لم تتعامل مع هذا القضية بشكل واضح ومعلن حتى الآن كما هو الحال للأزهر.
وكانت فتوى لجنة الأزهر في اختلاس الأفكار والنصوص قد نصت على: ''تفيد لجنة الإفتاء بأن الاقتباس بكل أنواعه من كتاب أو مجلة أو مرجع جائز شرعاً، ولا شيء فيه، بشرط أن ينسب إلى مصدره وصاحبه عند الكتابة والتسجيل، ورده إلى مصدره الأصلي، أما النقل من كتاب أو مصدر أو مجلة عند التأليف ونسبة ما كتبه الكاتب، وما نقله عن غيره إلى نفسه فهذا أمر حرمه الشرع والقانون، وهو نوع من السرقة، أما النقل للأفكار وكتابتها وتطويرها وتزويدها بأفكار أخرى وتحديثها فليس في ذلك شيء، وذلك ينطبق على سرقة الأفكار والآراء العلمية والدينية بشرط أنه عند هذا السؤال تنسب الفكرة إلى مخترعها ومبدعها، وذلك لا يشبه في حكمه شرعاً حكم سرقة الأموال والمتاع من قطع اليد وإقامة الحد، وإن كان يجوز في ذلك التقدير إذا كان الحال كما جاء بالسؤال، والله تعالى أعلم''.
ويطالب مثقفون بأن يساوى سارق الفكرة مع سارق المتاع في العقاب على عكس ما نصت عليه الفتوى السابقة، حيث لا اعتبار حقيقيا للسرقة عند لجنة الفتوى سوى بالوصف لا بالحكم وهو ما جعل المثقف السعودي سالم الأحمدي يلفت إلى أن هذا يعني: ''مزيدا من السرقات الأدبية''.
ويضيف الأحمدي: ''لا يمكن مكافحة مثل هذه الجرائم الأدبية إلا بمزيد من العقاب المعنوي والمادي لصاحب هذه الجنحة حتى يرتدع الآخرون الذين كانوا سيسيرون على الاتجاه ذاته''.
#3#
من جهته يؤكد أحمد بن عيد الحوت (وهو إلى جانب كونه أديبا ومثقفا معروفا فهو مسؤول إعلامي وقف على كثير من قضايا النشر ورأس لجان التقاضي لقضايا إعلامية بارزة في الفترة الماضية) أن لا فرق لديه بين سرقة الفكرة وسرقة المتاع، مشيرا إلى أن اللجان التي شارك فيها لم تجامل ولم تداهن شخصيات كبيرة على حساب شخصيات أصغر سرقت أفكارها، لكنه شدد على أن العبرة هي في إيجاد جو ثقافي مشبع بالمعرفة لحقوق المبدعين.
وتخلو الساحة العربية بالفعل من مؤلفات تكشف الضوء على قضية ''السرقة الأدبية'' وتجلو الغبار عن حقوق المؤلفين، وباستثناء كتاب ''السرقات الأدبية'' للكاتب المصري بدوي طبانة، فإن المكتبة العربية بدت فقيرة في هذا المجال، ويخلص طبانة في كتابه إلى القول: ''السرقة الأدبية جريمة أخلاقية لا تقل عن جريمة سرقة الأموال العينية، فالعمل على انتزاع الفكرة من منشئها ومبدعها جناية لا تقل عن جناية سلب الأموال والمتاع من صاحبها ومالكها''.
مطالب رسمية بتضييق الخناق على انتهاكات حقوق التأليف
أنهى المؤتمر السادس للمسؤولين الحكوميين لحماية حقوق المؤلف في الدول العربية الذي أقيم الأسبوع الماضي في الرياض ندواته بالمطالبة من المتضررين من انتهاك حقوق المؤلف برفع دعاوى مدنية ضد المنتهكين.
#2#
وكان الإماراتي محمد الكمالي المتخصص في الشؤون القضائية قد قال لـ ''الاقتصادية'' عشية انعقاد الملتقى إنه لا مجال لمقاضاة من ينتهكون حقوق المؤلفين قبل أن يعمد هؤلاء الأخيرين إلى الرفع للسلطات المختصة بهذا الانتهاك لحقوقهم، مشيرا إلى عدم قدرة الأجهزة التشريعية على المبادرة في كشف الانتهاكات قبل الإبلاغ عنها من قبل المتضرر.
من جانبه يشير القاضي في ديوان المظالم عبد الإله السليمان إلى علاقة الجهات الحكومية ببعضها في حال معالجة قضايا السرقات الأدبية، مشيرا إلى أن أصحاب الحقوق عليهم أن يتوجهوا مباشرة إلى وزارة الثقافة والإعلام وهي التي تقوم بعمل الضبط ومن ثم تطبيق الأحكام وفق سياساتها، لافتا إلى الحقوق المادية والمعنوية التي يجب تسجيل مدى التضرر فيها للمؤلف الأصلي، فيما تأخذ القضية بعد ذلك مساراتها الاعتيادية كقضية عادية لافتا إلى وجوب تطبيق أقصى العقوبات أمام انتهاكات حقوق المؤلفين، لكنه ظل يطالب في مداخلته بتحديد الصلاحيات بين الجهات المختصة لتفادي تداخل التخصصات.
وكان الدكتور عبد الله الجاسر نائب وزير الإعلام قد أكد في افتتاح المؤتمر السادس أن العالم العربي أحوج ما يكون إلى قنوات للتعاون والتواصل بين مسؤولي أجهزة حماية حقوق المؤلف لملاحقة المعتدين على المصنفات الفكرية المستولين على جهود الآخرين، وأضاف الجاسر: أن التقنية وما واكبها من انتشار فضائي ومواقع الإنترنت العربية تحتم تعزيز التعاون والتواصل بين أجهزتنا الحكومية لملاحقة المعتدين حسب الأنظمة العربية المحلية والاتفاقات الدولية.
وعدد الجاسر الأصناف الفكرية التي أشارت إليها هذه الاتفاقات، لافتا إلى أن تلك الاتفاقات تحرص على حماية أي مصنف فكري بما في ذلك الرسم أو اللحن أو التعبير الحركي أو غير ذلك.
ولا تقتصر حماية المصنفات الفكرية على حياة المبدع بل تتعدى ذلك إلى ما بعد وفاته وفقا للجاسر الذي قال: ''هذه الحماية تستمر في حياة المبدع وبعد وفاته، وحماية حق المؤلف هو المعيار الحقيقي لرقي الإنسان وحضارته''.
السرقات الأدبية تحديات مقبلة في ظل تسهيلات التقنية
يخشى الكثيرون من أن السرقة الأدبية قد تصبح ثقافة عامة لا تلبث أن يتطبع الناس بها في ظل وجود كبير للتقنية الحديثة التي سهلت تبادل الأفكار والنصوص بشكل لم يشهد العالم له مثيلا.
ويشير أحد المبدعين في الشبكة العنكبوتية إلى مخاوفه بالقول: ''باتت السرقة الأدبية صناعة في ظل تسهيلات الأجهزة الإلكترونية في النسخ والطباعة ونقل المعلومات وسهولة تحويرها، وهي التي يستفيد منها مدّعو الكتابة والبحث''.
ويشير مثقف آخر إلى صعوبة التقليل من هذا الخطر في ظل اهتمام الناس بالرسائل القصيرة التي تضم أفكارا ونصوصا جاذبة تختصر في برودكاست يرسل عبر تقنية ''البلاكبيري'' أو عبر ''الواتس آب'' وحاليا تقنية ''اللاين'' حيث تجتزئ الأفكار دون الإشارة إلى أصحابها.
أيا كان، فإن المبدع الحقيقي والمثقف يهمه أولا أن تصل فكرته إلى الناس، وتاليا أن يستفيد هو من وهجها معنويا ولاحقا ماديا.