حول تكوين الشبكات لتحقيق متطلبات التنمية المستدامة

إن ظهور مفهوم التنمية المستدامة عام 1980 جعل دول العالم تتكتل لإيجاد ميثاق أو أساس ينطلقون منه يحمون فيه مدخرات الحاضر لتستجيب لمتطلبات المستقبل من أجيال لهم كما لنا من حقوق في هذه الأرض ومواردها. ولمدة 20 عاما أو يزيد ظلت الدول تناقش خلال أداء مهامها أفضل آلية يمكن أن تحقق تنمية مستدامة للمجتمع الدولي. في عام 2002 التزمت الدول بثلاث ركائز أساسية وهي: حماية البيئة والتنمية الاجتماعية وتقدم النمو الاقتصادي، وتوصلت بذلك المنظمات الدولية إلى أن حل المشكلة قد يكون في تكوين شبكات بين المهتمين من الأجهزة المعنية في كل قطاع. بعد ذلك يمكن أن تتقارب الأجهزة في كل دولة بما يعين على أن تمضي الدول في تحقيق استراتيجياتها وأهدافها الرئيسة والفرعية. الهدف المنظور كان وضع جميع الجهود في بوتقة واحدة ويكون العمل منصبا لإنجاح المشروع (أي مشروع وطني أو دولي لصالح الأضعف والأقل موارد)، ومن ثم تحقيق ركائز مسيرة التنمية المستدامة. بالطبع لا بد أن يسجل كل ذلك في تقارير منفردة في البداية ثم بعد ذلك تقارير تجميعية دولية يقاس بها تقدم الدول كل على حدة ومن ثم تحدد الاحتياجات لدفع عملية التكامل وتفادي تكرار أي عقبات من شأنها أن تبطئ تحقيق الإنجازات المؤملة التي كان قد اتفق عليها المجتمع الدولي.
لقد لجأ المجتمع الدولي إلى هذا الحل لأن العمل في أي مجال كفريق موحد في النظرة ومتشارك في الهموم، ومتفق على تحقيق الإنجازات التي تعكس مدى اهتمامه بحاضره ومستقبله يعني قمة التسليم بالحفاظ على نعم الله في الأرض وحقوق الأجيال التالية. ولكن قضية الشبكات هذه استغرقت عقودا لتتأصل وتصبح مفهوما وآلية تنفيذ عمل، لذلك لا بد أن نتساءل أولاً: ما أهمية الشبكات؟ وكيف نبني شبكة مستدامة؟ وما متطلبات الشبكة الجيدة المحققة لأهداف التنمية؟ وهل نحن مستعدون للتعاون للنهوض بأعمالنا وأدوارنا في هذه الشبكة؟
في الواقع أن الإجابة عن هذه التساؤلات متوافرة في النشر العلمي وبعض التقارير الدولية وقد يتحفز غيري أكثر اختصاصا للكتابة عنها من جوانب عدة مثل مختلف التعاريف والأسباب والآليات والمنافع... إلخ لنشر الفائدة. من ناحية أخرى، وفيما يتعلق ببنائها فبناء شبكة قوية فاعلة ومستدامة يتطلب توافر كثير من الأسس أولها: الثقة وتوحيد الميول. (2) الرؤية والمفهوم المشترك. (3) الاشتراك في العمل بخطط وأهداف وتحليل نواتج منهجية ومنطقية. (4) قوة إدارة بتعاون مشترك وانصهار جماعي تحركه مهارة عالية في التحكم. (5) تبيان فوائد القيادة المشتركة. (6) اعتبار أصغر النقاط مهمة وذات مستوى معين في الأولويات، حيث النتائج تعود بالفائدة على الصغير والمحتاج قبل الكبير والقادر في المجتمع. (7) التواصل والمهارة في الاتصال. (8) الاهتمام بالنتائج لا بالهيكل والمستويات الوظيفية والرواتب العالية وغيرها. (9) الجدية في تحمل المسؤولية من جميع الأطراف والمكاشفة في تسيير دفة العمل ولكن في حدود اللباقة والكياسة والاحترام المتبادل. (10) أن تحدد وتعين الفوائد وتتضح لجميع الأعضاء حسب نوع ومستوى كل مشترك. وغير ذلك من متطلبات، فهل وصلنا إلى تحقيق ذلك؟
مع اشتراكنا مع الأمم الأخرى في موارد الأرض، فكمجتمع في هذا الكون له سيادته، علينا أن نقارع وننافس الأمم سعيا وراء الإجادة والتميز إضافة طبعا إلى الهدف الأسمى وهو نشر الدين الحنيف بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن لنحقق ذلك لن تسعفنا الآمال فهي درب الكسالى إن لم تتحول إلى أفعال حقيقية. كما ستكون الأموال محدودة التأثير على الأقل زمنيا. إذاً.. تشكيل الشبكات بين مؤسسات المجتمع الرسمية على أسس صحيحة وبشكل منسق له ومحكوم تتكون لها مظلة تتابع أداءها يمكن أن يحقق الأهداف السامية، وقد تكون الحل المثالي لتحقيق الرفاه والحياة الكريمة. الطلب قائم على تشكل الشبكات ليكون القياس ممكنا والمقارنة عادلة وتحسين المخرجات مبهرا وحسن الأداء المنظم والتصرف بأخذ كل شاردة وواردة في الحسبان قمة الرضا بتقديم الخدمات. ولكن أمامنا مواجهة: (1) توحيد التوجه الفكري، (2) دور التعليم في رفع المستوى الفكري على المستويين الفردي والجماعي، (3) تحقيق تناغم الأنظمة لا تقاطعها أو ازدواجيتها، (4) تنامي وتزايد الأسعار، (5) نشر استخدام التقنية، (6) التسويق والترويج والإعلام، (7) التأهيل قبل التوظيف، (8) الاستفادة - ما أمكن - من الخبرات السابقة، (9) الاستعانة بأهل الخبرة والعلم والتعلم منهم، (10) الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية في كل مهمة وملمة، فهل حققنا نسبا في الإنجاز في هذا الطريق؟
أستطيع القول إن في الشأن الصحي - ولله الحمد - نجحت الأقطاب الصحية في المملكة إلى حد كبير في وضع القدم على أول الطريق، ولكن سيكون تكوين الشبكة الصحية أقرب إلى التحقيق إذا تعاضدت جهود هذه المؤسسات لإعداد خارطة طريق تتعاون في تقدم الوضع الصحي وهو لا شك في وضع متميز على المستوى العربي. فهل لدينا شبكات أخرى يمكن بها تبادل المعلومات والتعاون في الاتصالات لتحقيق ما للتنمية من متطلبات؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي