أسطوانة مشروخة: الاقتصاد المعرفي
يتفنن الناس أفرادا ومؤسساتيا في تفادي القضايا المهمة ويحاول عبثاً وجدياً استخدام عناوين ورموز لا تمس الجوهر بل إن التعمق قد يقودنا إلى أنها تعبير عن حالة نفسية بوعي أو دونه في الرغبة في التكيف والتظاهر بمجاراة العالم الحديث دون عناء البحث عمّا تحت السطح. أحد أبرز هذه الإسقاطات هو الدعوة إلى الاقتصاد المعرفي. أصبح هذا المنهج مادة دسمة للخطط والمؤتمرات والندوات والمقالات، وبدا كأنه مشروع محدّد لإطلاق قمر صناعي أو بناء سد. الحقيقة المرة أن هذه أسطوانة مشروخة حان تفنيدها. هناك خلط مشين بين المعارف كمدخل للعملية الإنتاجية وبين المعلومات والمعارف كوسط لازم للحياة عموماً والحياة الاقتصادية خاصة من ناحية وخلط آخر بين (المعارف الحاسوبية) كمجال أعمال حديث ونشط وبين توظيف الصناعة المعلوماتية كمدخل لتحديث جميع الخدمات في كل مجال من ناحية أخرى. خلط الوسيلة مع الغاية والبيئة مع الإنتاج خلق فوضى في أذهان الكثير إلا من يريد أن يسترزق من فورة حكومية للصرف واستعداد سطحي لاعتناق المستقبل.
أوهمنا حتى المخلصين والنابهين من الشباب والشابات المختصين في الصناعة المعلوماتية وكأننا على عجل في الأخذ بصناعة العصر. ما خلق "جوجل" و"مايكروسوفت" و"أبل" ليس خطة سريعة أو علنية أو سرية لاعتناق الاقتصاد المعرفي، بل إيجاد حالة وبيئة اقتصادية قابلة للنبوغ والإبداع والمنافسة النزيهة والشرسة وليس مؤتمرات يحضرها من يحارب المنافسة ويصادر الرأي المنافس. بدأنا وكأننا نستخدم المصطلحات بتساهل مثل الاقتصاد المعرفي والتخصيص والسعودة. أكاد أجزم أن العمل الصحي والصحيح أسهل من هذه الوصفات البيروقراطية. بما أن المعلومات والمعلوماتية وسط مدخل ومخرج لكل شيء، فإن محاولة تصويرها على أنها كهنوت خاص محاولة لاحتكارها أو لذر الرماد في عيون الآخرين عملية مكلفة معنوياً ومادياً.
ما الحل؟
للصناعة المعلوماتية دور عام (التشجيع في استخدام الآلة) ودور خاص (بتشجيع الصناعة المعلوماتية كصناعة مستقلة وإمكانية الاستفادة، خاصة من العنصر النسائي). علينا التعامل بوعي عن الحالة من خلال التفريق بين العام والخاص من خلال نشر المعلومات وتسهيل سبل الحصول عليها والشفافية في نشرها، وكذلك الوعي بالتبويب والتوثيق الذي بطبعه المادة الأساسية لتعظيم الاستفادة من الصناعة المعلوماتية وجعلها ذات قيمة مضافة وهذه لن نصل إليها إلا بعد استغلال الأسهل في السلم الاقتصادي، فمثلاً يصعب الاستثمار في الآلة بينما العمالة مسترخصة، إذاً هناك استحقاق تبادلي في الاقتصاد دائماً، فالآلة بطبعها تتطلب الدخول في الصناعة المعلوماتية، إذ إن كل شيء أصبح معلوماتياً. وأخيراً الإبداع وليد بيئة ثقافية معينة تقبل بالتلقائية والعفوية وليس طبقاً لنماذج بطلها المستفيد من موزع لإنتاج الآخرين أو مدير إدارة الحاسب الآلي أو مروجين لأودية تقنية. الاستحقاق التنموي له باب واحد وليس مداخل غير اقتصادية وإن بدت وكأنها عالية التقنية ومبهرة لغير العارفين.