هل يستوعب الموظفون ما قاله الملك؟
ليس أصعب ولا أكثر مضايقة لحياة الإنسان في هذا البلد الطيب المعطاء من مجهود مراجعة دوائر الحكومة لإنجاز معاملة أي موضوع كان، في حالة عدم وجود معارف أو أصدقاء لك في المرفق الذي أنت في حاجة إلى مراجعته. ومن المؤكد أن الكثيرين منا مروا بتجارب عديدة مع المكاتب الحكومية، ليست كلها مريحة ولا ماتعة، فالعالم يعيش في عصر الإنترنت وجوجل وفيسبوك وتويتر والحكومة الإلكترونية، ونحن نحبو إلى الخلف.
أنا سأتحدث هنا عن تجربة بسيطة حصلت لي لأعطي فكرة عن عقم بعض الإجراءات التي نحن مجبرون على اتباعها رغم عدم وجوب الضرورة. ولك أن تتخيل عِظم المعاناة المرورية لتصل إلى أي دائرة رسمية في قلب مدننا المزدحمة بالمركبات والفوضى المرورية العارمة التي قل أن تجد لها مثيلاً في معظم دول العالم، ناهيك عن خلو الشوارع تماماً من رجال المرور حتى في مناطق وقوع الحوادث المرورية عندما يكون هناك حاجة مُلِحَّة إلى تنظيم السير ولو لفترة قصيرة.
قبل أيام عدة تعرضت إحدى مركباتنا لحادث بسيط وهي في طريقها إلى مدارس الأولاد، والحمد لله، أن الحادث كان صدمة من الخلف، وهو ما يعفينا من تحمل المسؤولية وينقلها إلى الطرف الآخر. وكان سبب الارتباك في السير ومن ثم حدوث التصادم، حركة طائشة من أحد الشباب المتهورين، وما أكثرهم في شوارعنا وأزقة حاراتنا. فقد كان ذلك الشاب غير المؤدب يسير بمركبته في أقصى اليمين من الطريق وفجأة، انطلق بسرعة هائلة ولفَّ لفة قوية جهة اليسار مُتعدياً أكثر من مركبة، ما اضطر قائدي المركبات الأخرى إلى التوقف المفاجئ الذي نتج عنه الاحتكاك والتصادم. وذهب المتسبب دون أن يجد منْ يُحاسبه ويُعاقبه، وهذه نتيجة غياب رجال المرور عن الساحة المرورية.
وعندما وصلني الخبر أن الخطأ ليس منا وأن تكلفة إصلاح المركبة تدفعه شركة التأمين، حمدت الله على كل حال، وقلت في نفسي ''افتكينا من عناء المراجعات''. لكن خاب ظني عندما أحضر لي السائق أوراق تتطلب مني مراجعة المرور، وتتضمن الذهاب إلى ورش الإصلاح المتكدسة في الصناعيات التي مَنْ دخلها مفقود والخارج منها مولود. توكلت على الله وذهبت إلى مركز المرور في الظهران، حي الدانة. فقال لي المسؤول - الله يحفظه - لازم تُراجع فرع الخبر لأنه أقرب إلى موقع الحادث، هذه واحدة. ومن الغد ذهبت إلى مرور الخبر في وسط حي الثقبة المزدحم. دخلت المبني الذي لا يشعرك بأنك في بلاد العشرة ملايين برميل من النفط الذي وصل سعر البرميل منه إلى 120 دولارا. وبعد انتظار طويل ناولت أوراقي الموظف المختص، فوجهني إلى مكتب آخر أعلى مرتبة. ختم الأخير على الورقة دون أن ينظر فيها وأعادني إلى المكتب الأول، هذه ثانية. فقال لي صاحبي الأول، الآن بإمكانك أن تذهب إلى أصحاب الورش من أجل تقييم الضرر وتقدمه إلى شركة التأمين، وهذه ثالثة.
أود أن أعرف ما الذي أنجزته من هذا التردد والدوران ومخاطر الدخول إلى الشوارع الداخلية التي معظمها محاط بالردميات والحفر؟ لا شيء يُذكر. فقد كان من الممكن أن يقول لي أول مسؤول قابلته في مركز الظهران، ما عليك إلا أن تذهب إلى الورش المتخصصة في تقدير الإصلاح وتسلم الأوراق إلى شركة التأمين، وانتهى الأمر. ما هذه البيروقراطية يا إدارات المرور؟ وإذا كان المكتب القريب من سكني لا يخدمني لأن الحادث كان قد وقع في منطقة أخرى من المدينة، فلماذا لا يكون هناك مكتب واحد للمراجعة، لعله يحظى بمقر يليق بما لمكاتب الحكومة من الهيبة والوقار بدلاً من الخرابات. ثم ما دام أنني مُعفى من تكاليف التصليح والخطأ من الطرف الآخر، فلماذا لا تكون هناك آلية واضحة بحيث تتولى شركة التأمين مراجعة الورش وتتبعها بإصلاح المركبة وأنا جالس في بيتي؟ لقد طرأ على بالي إصلاح الضرر على حسابي ولا أتجشم التنقل بين إدارات المرور والورش وشركة التأمين، وأعرِّض نفسي لوقوع حادث جديد - لا قدر الله. وهل يخفى على رجال المرور أن عرض المركبة المتضررة على ورش التصليح من أجل الحصول على تقدير التكلفة من ثلاثة مصادر فيه الكثير من التلاعب والتحايل؟ ومطلوب منك كشرط لإصدار ورقة التقدير أن تدفع مبلغاً معيناً من جيبك الخاص! وهذه كلها أمور صورية. أليست هناك طريقة أكثر فاعلية وأقل عناء بالنسبة للمواطن؟ لماذا لا نتعلم من الآخرين، وعلى وجه الخصوص جيراننا، لعلنا نجد عندهم طريقة مُيسَّرة لتقدير ثمن التصليح؟ مجرد اقتراح.
وكم من الحالات التي يعاني المواطن الأمَرَّين، وهو يتردد ذهاباً وإياباً بين مختلف المكاتب الحكومية، حاملاً معه الكثير من الأوراق وصور البطاقات والملازم الرسمية الأخرى، أحياناً داخل ملف علاقي، يذكرنا بعقود مضت ونحن لا نزال على الحال. أين التطوير والإبداع وتسهيل الأمور التي دائما ينادي بها حبيبنا أبو متعب ـــ الله يحفظه ـــ ومنذ يومين أعادها على مسامعنا الأمير محمد بن فهد؟ وهل يستوعب أحباؤنا الموظفون في الدوائر الرسمية التوجيهات السامية الموجهة إليهم لتسهيل أمور المراجعين؟ تسهيل أمور المراجعين يعني الكثير، ومنها الإبداع والتغيير إلى الأفضل. بل أين فاعلية وجود الكمبيوتر في كل مكتب، وهي مرتبطة بالشبكة الحكومية الواسعة وتحتوي على جميع المعلومات التي تخص كل مواطن؟ نحن ندرك أن بعض الدوائر والمؤسسات الحكومية تحاول جاهدة وعلى الدوام تطوير عملية المراجعة فيما يريح المواطن من العناء غير الضروري، وهم يُشكرون على بذل المجهود المستطاع. لكن آخرين لا يزالون يعيشون بين الكراتين الممتلئة بالأوراق التي لا قيمة لها في عصر الكمبيوتر.