63 عاما على وفاة «شاعر الأقطار العربية»

63 عاما على وفاة «شاعر الأقطار العربية»

77 عاما قضاها هذا المبدع بين دول عربية وغربية شتى يتلقى فيها صنوف الأدب، ويصب رحيق فنونه في مسالك الفن الخطابي والسردي للغة العربية. إنه خليل مطران الذي انتهت رحلته الإبداعية قبل أكثر من 60 عاما في العاصمة المصرية القاهرة.
في الأول من حزيران (يونيو) عام 1949 رحل الشاعر والكاتب اللبناني خليل مطران الذي مثل مع أحمد شوقي وحافظ إبراهيم الثالوث الشعري المعاصر الذي ذكّر النقاد بالثالوث الشعري الشهير في العهد الأموي المكون من جرير والفرزدق والأخطل.
كان خليل مطران يلقب بـ''شاعر القطرين'' وهو الذي ذاع صيته حينها بين مصر ولبنان، لكنه بعد أن توفي حافظ إبراهيم ''شاعر النيل''، وأحمد شوقي ''أمير الشعراء'' أسبغ عليه محبوه لقب ''شاعر الأقطار العربية'' ليختصروا رحلة شاعر لبناني شهير عاش معظم حياته في مصر وعرفت إبداعاته طريقها إلى مختلف الدول العربية المتعطشة للثقافة حينها من العراق إلى المغرب.
يمثل أسلوب مطران خطا وسطا بين أدب العرب وأدب الغرب، وهو الذي عرف بغزارة علمه وإلمامه بالأدب الفرنسي والعربي، إضافة إلى ما عرف عنه من رقة الطبع وسمو الأخلاق، الأمر الذي انعكس على أشعاره، حسب الأديب اللبناني ميشال جحا، الذي وصف مطران برائد الأدب الحديث في دراسة بحثية عن الشاعر، الذي عاصر أباطرة الشعر العربي المعاصر مثل شوقي وإبراهيم، وهما من شكلا - حسب الناقد اللبناني - ضلعي المثلث الشعري المعاصر، إضافة إلى رائد الشعر الحديث خليل مطران، الذي شبهه بالأخطل.
كان خليل مطران من أبرز دعاة التجديد في الأدب والشعر العربي، لذا كان حسب الدراسات البحثية لعدد من النقاد ''أحد الرواد الذين أخرجوا الشعر العربي من أغراضه التقليدية والبدوية إلى أغراض حديثة تتناسب مع العصر، مع الحفاظ على أصول اللغة والتعبير''.
ويعد مطران من أوائل من أدخلوا الشعر القصصي والتصويري للأدب العربي، ويبدو أن انكبابه على دراسة الأدب الغربي أسهم في ذلك، إذ تأثر بأسلوب الروائي والشاعر الفرنسي فيكتور هوجو وبعض مفكري أوروبا في عصور النهضة.
وفي مصر، سخر مطران قلمه لدعم الحركة الوطنية التي ناضلت حينها للتخلص من الاستعمار الإنجليزي للوطن المصري، وترددت له في ذلك الحين تلك الأبيات التي سخرت من ''أعداء الوطن'' الذين حاربوا المخلصين:

أَطْـفِئُوا الأَعْيُنَ هَلْ إِطْفَاؤُهَا يمْنَعُ الأَنْفَاسَ أَنْ تصْعَدَ زَفْرَا
أَخمِـدُوا الأَنْفَاسَ هَذَا جُهْدُكمْ وَبِـه مَـنْجـاتُنَا مِـنْكُمْ فَشكْرَا

لكن شعره الرقيق الذي يشبهه ظل أكثر التصاقا بشخصية مطران من شعر الحماسة والفخر، ففي هذا النص تتجلى قدرة الشاعر على تصوير الواقع الأليم الذي يعيشه.

شَرِبَ الطَّالِحُونَ عَذْباً زِلاَلاً وَشَرِبْتَ القِذَى بِكَأْسٍ دِهَاقِ
لاَ اعْتِرَاضَ عَلَى القَضَاءِ وَلَكِنْ أَشَد الأَحْكَامِ حِكْمُ الفِرَاقِ

وله في التصاوير القصصية هذه الأبيات التي تأخذ من إبداعات شعراء الغرب الروائيين ومن موروث العرب الذين سبقوا إلى القصة الشعرية كعمر بن أبي ربيعة وتدمجهما في قالب إبداعي جديد:

سر العذارى مبنى عن شاعر للحي زائر
فقصدنه وسخرن من زجر الأميمات الزواجر
فوجدنه رجلا مليحا خلقه حسن الظواهر
لا شيء يفتضح النهي فيه كما ادعت النواهر
فسألنه إنشاد شتى من بدائعه الحواضر
فأطاعهن ومن ترى يعصي الجميلات الأوامر
فعقدن فيما حوله عقدا فريدا من جواهر
وتناول الرجل الرباب وفكره في الغيب ناظر
وأثار في الأوتار تغريدا كأن الطير طائر

ويتفق كثير من النقاد على أن خليل مطران أوجد مدرسة شعرية جديدة تميل إلى الرومانسية بشكل أثر في عدد من الشعراء الذين عاصروه مثل إبراهيم ناجي وشعراء آخرين ما زالوا يفضلون المعنى الشاعري الصادق والشفاف على الموسيقى الشعرية المتناغمة وقوة العبارة الطنانة، كما يشير منتقدو أحمد شوقي وحافظ إبراهيم في وصفهما أسلوب الشاعرين الكبيرين مقارنة بثالثهما خليل مطران.

الأكثر قراءة