المتميزون
تحقيق النجاح مرهون بتقديم المهر اللازم من عرق وجهد وتخطيط وفكر، والناجحون يشعرون بلذة الانتصار وبطعم البطولة بشكل أكبر وبصورة أجمل حين يقدم لهم التحفيز وما يستحقونه من ثناء وإطراء. الموسم المنصرم شهد تميز ثلاثة من بين فرق دوري زين وهي الشباب والأهلي والفتح، فصورتها وشكلها ظهرت بشكل مغاير عن غيرها. ولو أخذناها تباعاً لوجدنا الشباب ظهر بشكل مختلف، فقدم صورة النادي النموذجي بالعمل الفني البحت، فالسيد برودوم رسم طريقة المدير الفني التي تسعى فرق عدة الآن لاستنساخها وتطبيقها في الموسم المقبل وشجعت الهلال على العودة للأسلوب ذاته بعد أن شهدوا التغير في فريقهم بعد جيريتس الذي طبق هذا الأسلوب، ولكن التميز الشبابي جاء بأنهم لم يكتفوا بذلك، بل ساروا في خطى التطوير وإقرار المنهجية الاحترافية المحضة بعزل فرق كرة القدم عن الجانب الإداري، وإعطاء الخيط والمخيط لمدير فني يشرف على الأجهزة التدريبية في النادي كسبق يسجل للشباب على مستوى المملكة والخليج. وسبق الشباب الجميع في تطبيق لائحة العقوبات الداخلية والتي أثبتت نجاحها وسطوتها في تقويم سلوك اللاعبين، وقلبت المعادلة بأن وضعت اللاعبين تحت سيطرة الجهازين الفني والإداري، وقضت على تمرد ونفوذ بعض اللاعبين فعاش الفريق انضباطية ساندت التميز الفني، إضافة إلى تميز الجهاز الطبي في النادي الذي ساهم في سرعة عودة اللاعبين المصابين للمشاركة من جديد.
المتميز الآخر هو فريق الأهلي الذي ظل يطارد الشباب منذ بداية الموسم وخاض معه منافسة شرسة فكسب لقب ثاني زين وتوج في نهايته بكأس الأبطال. الفريق الذي خسر إحدى عشرة مباراة في الموسم الماضي في الدوري فقط لم يخسر سوى خمس مباريات في كل مسابقات الموسم الحالي، وأضحى الأهلي رقماً صعباً في سوق الانتقالات المحلية. وتجلت قدرة الجهاز المشرف على كرة القدم وشجاعته في التخلص من لاعبي المشاكل والشللية واستطاع كسر عقدة الوهم التي مع الأسف رسخها الإعلام في أنفس لاعبي وجماهير الفريق المتمثلة في سطوة الفرق الكبيرة على الأهلي وقصر نفس لاعبيه في مسابقة الدوري، حيث شاهدنا الأهلي يفوز على الهلال في أشد لحظات وشراسة المنافسة، وكذا فاز على الاتحاد وتعادل معه الشباب في الرمق الأخير في الرياض. واكتسب لاعبو الفريق ثقافة الفوز، والقدرة على تسيير المباريات لمصلحته، وتخلص من عقدة الفرق الصغيرة وكيف كانت تتجرأ أمامه. كل ذلك تغير في هذا الموسم.
أما الفتح، ثالث المتميزين، صاحب الحضور الجميل والكاريزما الخاصة لا يشبه أحدا، ولا يشابهه أحد، لا يملك قوة مالية ولا عقد رعاية، ومع ذلك لعب وصارع المنافسين بأسلوب فن الممكن. فيصل سيف خرج من النصر بتهمة الفشل فقدم للفريق قائداً، والآن يعيد الفتح صياغته كمساعد فني. الحضور الإعلامي لفتح الأحساء رائع ومختلف، عباراتهم منمقة، ولغتهم في الحديث راقية حتى وفضيلة التحكيم تنحر بأخطاء "غير مقصودة بكل تأكيد" من فهد المرداسي، لم يبرحوا ويغادروا منصة الفضيلة. اختياراتهم للاعبين تحكي نظرة فنية مميزة، ثباتهم على المدرب الكبير فتحي الجبال يحدثنا عن استراتيجية عقلانية يسير عليها الفريق.
ولأن التفوق الذي أتى لهذه الفرق الثلاثة نتيجة العمل السليم، فهي تشترك في أمور مهمة جداً أوصلتها لهذا الاستحقاق وأبعدتها بمراحل عن غيرها ومنها:
- التفكير العقلاني والبعد عن العاطفة في تسيير فريق كرة القدم، فمن يخدم يبقى، ومن يعرقل المسيرة يرحل.
- القوة والهيبة التي تمتلكها إدارات هذه الأندية، وامتلاكها القوة والحضور أمام لاعبيها، وخضوع الجميع والرضى بالنظام المتبع.
- إبعاد اللاعب حتى وإن كان متميزاً فنياً متى تعارض وجوده مع سياسة المدرب أو فكر الإدارة، فالمهم من يخدم فكر النادي والقضاء على الشللية.
- عدم الاكتراث بالآراء العاطفية للجماهير وعدم تركها تسير شؤون النادي، بل مواجهتها وترك النتائج هي التي تقنع من يعارض التغيير بعد تحقيقها.
وجود جهاز فني على مستوى عال، والتوقيع معه لمدة زمنية طويلة من أجل فرض الاستقرار، وتلافي الأخطاء، وضمان الاستعداد المناسب والمبكر.