قنوات الجدل.. واختيار الموضوعات!
هناك بعض القنوات الفضائية التي يصح أن يُطلق عليها قنوات الجدل.. فهي تحرص على تتبع الموضوعات الجدلية في المجتمع السعودي وتهب عليها برياح ساخنة من جميع ''الاتجاهات''!
إحدى هذه القنوات تناولت أخيراً تصريح أحد المسؤولين المعنيين بالموارد البشرية الذي قال فيه ما معناه أن بإمكان المرأة السعودية أن تعمل في المنازل، وكان تناول التصريح من جوانب لا تخطر على البال.. ومن زوايا لم ترد في التصريح أصلاً.. كأن يقول أحد المشاركين في الحوار ''كيف يمكن لمَن تحمل البكالوريوس أن تعمل خادمة في المنازل؟!'' والمسؤول لم يقل ذلك إطلاقاً.. ولا يمكن لعاقل أن يتصور هذا الأمر.. وإنما المقصود غير المتعلمات وبعض المطلقات والأرامل اللاتي لديهن الرغبة في العمل ساعتين أو ثلاثاً في تنظيف المنازل أو نحوه ثم الانصراف وأخذ مقابل ذلك ما يسد بعض حاجتهن للمال بدل الاعتماد على الصدقات والهبات وربما التسوّل.. وكانت في مجتمعنا قبل أربعة أو خمسة عقود نساء سعوديات يعملن في المنازل بهذا الدوام الجزئي الذي لا يجرح كرامتهن ولا يتنافى مع ديننا وتقاليدنا.. والأدهى من كل ما ذكرنا هو ذلك المشارك في البرنامج الذي ذكر أن عمل المرأة السعودية في المنازل سيعرّضها لمزيد من التحرُّش.. وكأن الرجل السعودي وحش يتأهب للانقضاض على الفريسة حتى شُوهت صورة مجتمعنا أمام العالم.
وكدليل على اهتمام المُعدين والمقدمين والمشاركين في تلك البرامج بالجدل من أجل الجدل فقط، فإن بعضهم وهم يدّعون الدفاع عن المرأة وحقوقها وفتح مجالات العمل لها قد جعلوا هذه الدعوة لعمل شريف للمرأة غير المتعلمة وربما مَن هي في سن متقدمة وفي حالة عوز شديد ولساعات محدّدة جريمة لا تغتفر ووجهوا سهام نقدهم اللاذع للمسؤول ودخلوا في تفسير النيّات.. ثم طلبوا منه أن يرد إن رغب في ذلك ـــ ما شاء الله ـــ على حرية الرأي! تهكم وتصوير للأمر على غير حقيقته.. ثم لا مانع من الرد لإيجاد مادة لحفلة جدل أخرى!
وأخيراً: أرجو ألا يفهم من هذا المقال الدعوة إلى عمل المرأة السعودية في المنازل، فهذا أمر شخصي تقرره الحاجة والقناعة، وإنما أقول لتلك القنوات المعروفة أن تترفق بمجتمع تُوجه له السهام من كل جانب.. ويكفي ما يعلن بين الحين والآخر من ضبط لأطنان المخدرات الموجهة إلى شبابنا حتى تتعطل عقولهم ويصبحوا عالة على وطنهم بدل أن يكونوا من أهل العقول النيّرة والسواعد القوية التي تدافع عنه في كل الميادين.. ولم نسمع مرة أن تلك القنوات خصّصت حلقة نقاش حول تهريب المخدرات إلى بلادنا.. أو ما يوجّه إلينا من سهام العداء والفتنة من بعض الجهات الإقليمية والدولية لمحاولة إشغالنا بقضايا هامشية وإشاعة الفرقة والانقسام بيننا والإشادة بصمود مجتمعنا رغم تكرار المحاولات!