أسعار النفط تتراجع تحت وطأة وفرة الإمدادات ومشكلات اليورو

على مدى الأسابيع القليلة الماضية استمرت أسعار النفط العالمية في التراجع نتيجة لعدد من العوامل، بصورة خاصة القلق الذي تصدر عناوين الصحف حول حالة الاقتصاد العالمي ومصير منطقة اليورو، حيث الانتخابات الأخيرة في فرنسا واليونان التي هزت المشهد السياسي والاقتصادي. أساسيات السوق من عرض وطلب ومخزون لعبت أيضا دورا مهما في كبح مستوى الأسعار، وساعدت على انخفاض أسعار خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط إلى 107 و91 دولارا للبرميل على التوالي من المستويات القياسية التي وصلت إليها خلال النصف الأول من آذار (مارس) الماضي.
إمدادات النفط العالمية والمخزون النفطي في ارتفاع مستمر، الطلب يتزايد، لكن بوتيرة متواضعة نسبيا. في نيسان (أبريل) الماضي تفوق العرض على الطلب العالمي بما يقرب من ثلاثة ملايين برميل في اليوم، معززا بذلك التفوق الذي شهده الربع الأول من العام الجاري. من المتوقع أن يستمر هذا الفائض في الإمدادات حتى نهاية هذا العام، حيث من المتوقع أن يتفوق العرض على الطلب بنحو 1.5 مليون برميل في اليوم في الربع الثالث ونحو مليوني برميل في اليوم لعام 2012 ككل.
الإجراءات التي اتخذتها منظمة أوبك في توفير مزيد من الإمدادات، خاصة السعودية، ليس من المرجح أن تتغير بصورة كبيرة لوقف هذا المد في هذه المرحلة. الزيادة في الإنتاج الأخيرة، وتحرك السعودية لكبح الأسعار تشير إلى أن المملكة سترحب برؤية المزيد من العرض في سوق النفط، حيث إن انخفاض أسعار النفط تقدم الدعم من أجل نمو الاقتصاد العالمي وتعافي الطلب على النفط.
لقد شهد نيسان (أبريل) الماضي ارتفاعا كبيرا جدا في مخزون النفط العالمي، حيث ارتفع مخزون النفط في منظمة التعاون والتنمية، وفي الأسواق الناشئة وفي المخزونات العائمة بمعدل مليوني برميل في اليوم، بما في ذلك المخزون الاستراتيجي. لقد ارتفع المخزون التجاري للنفط الخام والمنتجات في منظمة التعاون والتنمية بنحو 400 ألف برميل في اليوم في الشهر الماضي، ساهمت أمريكا الشمالية بالجزء الأكبر منه. لقد شهد مخزون النفط الخام ارتفاعا بمعدل 500 ألف برميل في اليوم، هذا متوقع في مثل هذا الوقت من السنة، حيث طاقة التكرير للمصافي تنخفض بسبب موسم الصيانة الدورية. مع انخفاض طاقة التكرير للمصافي، شهدت مخزونات المنتجات انخفاضات كبيرة، حيث انخفض مخزون البنزين ونواتج التقطير المتوسطة بمعدل 420 و375 ألف برميل في اليوم على التوالي. على الرغم من أن البنزين شهد انخفاضا أكثر وضوحا، إلا أن سوق وقود نواتج التقطير المتوسطة (زيت التدفئة، وقود الطائرات والديزل)، في حال أسوأ، حيث تعاني عجزا بنحو 16 مليون برميل مقارنة بالسنة الماضية.
لكن اتجاه حركة المخزونات في منظمة التعاون والتنمية ينبغي أن يتغير قريبا، بالفعل حدث هذا التغير في آسيا. حيث في مثل هذا الوقت من السنة تنتهي عمليات الصيانة للمصافي، تبدأ مخزونات النفط الخام في الانخفاض المطرد في حين أن مخزونات المنتجات تستقر أو ترتفع، تبعا لهوامش أرباح عمليات التكرير. في الوقت الحاضر لدى منظمة التعاون والتنمية مخزون يغطي 59 يوما من الطلب، تقريبا مستقر مقارنة بمستويات العام الماضي لكن أقل قليلا جدا عن المستوى الذي كان عليه في نهاية آذار (مارس)، حيث إن الطلب على النفط من المتوقع أن يشهد عادة ارتفاعا متواضعا في الربع الثالث.
أما في البحر، استمرت مخزونات النفط العائمة في الارتفاع، وذلك جزئيا بسبب ارتفاع مخزون إيران في البحر. لكن هذا الارتفاع في المخزون النفطي الإيراني غير واضح إذا ما كان نتيجة للعقوبات الغربية التي تلوح في الأفق أم لمجرد عدم وجود مشترين بسبب أعمال الصيانة الدورية للمصافي التي تتم عادة في مثل هذا الوقت من السنة كما أسلفنا. في الوقت الحاضر تترقب الأسواق ما إذا كان بإمكان إيران إفراغ المخزون العائم بمجرد انتهاء أعمال الصيانة، أم سيبقى هذا الخزين على الناقلات بسبب العقوبات الاقتصادية.
أما من ناحية العرض، واصلت الإمدادات العالمية للنفط النمو بصورة مطردة. في شهر نيسان (أبريل) ارتفعت إمدادات النفط العالمية أكثر من 700 ألف برميل يوميا، مدعومة بارتفاع الإنتاج من داخل منظمة أوبك وخارجها. في الواقع الإمدادات العالمية كان يمكن أن تكون أعلى من ذلك لولا الانقطاعات المؤقتة في مناطق عدة من العالم.
الاتجاهات التصاعدية الأكثر أهمية لنمو الإمدادات من خارج منظمة أوبك هي في أمريكا الشمالية، مدعومة بارتفاع الإنتاج من مكامن الصخور المحكمة في الولايات المتحدة، من الرمال النفطية في كندا، وتعافي الإنتاج الأمريكي المتسارع من خليج المكسيك في مرحلة ما بعد حادثة البئر ماكوندو. حيث بدأ تدفق النفط إلى أول منظومة إنتاج وتخزين وتفريغ عائمة في المياه العميقة في وسط خليج المكسيك من حقل شينوك. كما ساهمت أمريكا الجنوبية في نمو الإمدادات من خارج منظمة أوبك مدعومة بارتفاع الإنتاج في كل من البرازيل وكولومبيا
على الجانب السلبي، فقد السودان/جنوب السودان وسورية واليمن في نيسان (أبريل) نحو 45 ألف برميل في اليوم، لكن الأسواق لم تعد تتأثر بالأخبار القادمة من هناك، حيث إنه لم يتبق لهذه البلدان سوى القليل من الطاقات لتخسره. لقد فقدت هذه الدول نحو 650 ألف برميل في اليوم مقارنة بالعام الماضي. ليس هناك أي أمل في انتعاش وشيك في الإمدادات من هناك، حيث إن الظروف تزداد سوءا في منطقة السودان مع تصاعد الهجمات عبر الحدود.
التطور الأهم للإمدادات في نيسان (أبريل) لم يكن مرتبطا بالانخفاض أو الارتفاع في الإنتاج، لكن باستمرار ارتفاع مستوى الإنتاج من دول منظمة أوبك، خصوصا استمرار ارتفاع إنتاج المملكة العربية السعودية، حيث تشير أرقام التقرير الشهري للأمانة العامة لـ ''أوبك'' الصادر 10 أيار (مايو)، إلى أن إنتاج المملكة من النفط الخام وصل إلى 10.102 مليون برميل في اليوم بما في ذلك حصة المملكة من المنطقة المحايدة، هذا أعلى إنتاج في ثلاثين عاما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي