الاتحاد.. مطلب جميع شرائح الشعوب الخليجية
إن القرار الذي اتخذته القمة الخليجية التي عقدت في الأسبوع الماضي بتأجيل الإعلان عن الاتحاد الخليجي لمزيد من الدراسة.. لم يكن في صالح العمل الخليجي المشترك، لأن الأجواء الضبابية السائدة الآن في منطقة الخليج تستدعي قيام الاتحاد الخليجي ليباشر صلاحياته محل مجلس التعاون الذي أدى واجبه في ظروف تتناسب مع ظروف السنوات الثلاثين الماضية.
يضاف إلى ذلك أن الاتحاد الخليجي لم يعد مطلب النخبة فحسب، بل هو الآن مطلب شعبي خليجي. وطوال العقود الثلاثة الماضية كانت الصحف ومراكز الأبحاث الخليجية تجري الكثير من قياس اتجاهات الرأي في دول الخليج الست، وكانت الأغلبية مع تحويل التعاون إلى اتحاد.
بمعنى أن المطالبة بالاتحاد الخليجي ليست مطالبة النخبة الخليجية، بل هي مطالبة تعبر عن رأي جميع شرائح المجتمعات الخليجية.
والخليجيون يقولون بالإجماع إن مشاريع مجلس التعاون لم تصل إلى الشعوب الخليجية ولم تحس بها الطبقات الخليجية الدنيا، بل يؤكدون أن قوانين وقنوات التعاون ضيقة ولا تسمح بمرور المشاريع التي تصل إلى قاع المجتمعات الخليجية.
ولذلك كنت أتمنى أن يتخذ مجلس القمة قراراً بتحويل التعاون إلى اتحاد وهذا هو ما يُجمع عليه جميع شرائح المجتمعات الخليجية.
وتحويل مجلس التعاون إلى مجلس اتحاد لا يتشح بالتعقيد، لأننا إذا رجعنا إلى مجموعة الاتفاقيات التي أصدرها مجلس التعاون في العقود الثلاثة الماضية، سنجد أنها كافية لكي يتخذ قراراً بتحويل مجلس التعاون إلى مجلس الاتحاد الخليجي.
وتحضرني بهذه المناسبة الأحلام التي كان يحلم بها عبد الله بشارة أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي في السنوات الأولى لتأسيس مجلس التعاون، فقد كان بشارة يقول: إن النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي لا يحدد الوجهة التي سيكون عليها مجلس التعاون في المستقبل، إلا أننا في الأمانة العامة قد توصلنا إلى النتيجة التي سيصل إليها مجلس التعاون - إن عاجلا أو آجلا - وهي أن المجلس سيصل إلى شكل من أشكال الكونفدرالية، وقال بشارة وهو دبلوماسي محنك: هذه النتيجة مبنية على حقيقة كون كل بلد يرغب في الاتحاد مع الاحتفاظ بشخصيته وسيادته واستقلاله، ثم قال: هناك رغبة قوية من جميع الأعضاء في إذابة كل الخصائص التي تتمتع بها المجتمعات الخليجية في بوتقة واحدة لكي تتفاعل اقتصاديا وسياسيا وثقافيا في ديناميكية الاتحاد.
إن الأسباب التي أدت إلى اجتماع دول مجلس التعاون الست عام 1981 والاتفاق على قيام المجلس هي ذاتها الرغبة التي تدفع جميع دول مجلس التعاون الآن إلى اتخاذ قرار بإشهار الاتحاد الكونفدرالي الذي كان حلماً وأصبح اليوم ضرورة تقتضيها التحديات والمستجدات التي تحيط بمنطقة الشرق الأوسط عامة ومنطقة الخليج بصورة خاصة.
والواقع أن مجلس التعاون استطاع طوال ما يقرب من 30 عاماً أن ينفذ مجموعة من المشاريع الضرورية لقيام اتحاد كونفدرالي ناجح بين دول يجمعها كثير من القواسم المشتركة والتطلعات التعبوية والشعبية.
وإذا كانت التهديدات الإيرانية في عهد الشاه هي التي دفعت دول الخليج إلى الاجتماع عام 1981 والإعلان عن تأسيس مجلس التعاون الخليجي، فإن التهديدات الإيرانية نفسها في عهد الملالي هي التي تدفع دول الخليج إلى سرعة اتخاذ قرار بتطوير المجلس من مجلس تعاون إلى اتحاد كونفدرالي يعبر عن ست دول تتعاون اقتصاديا وثقافياً، وتتعاهد عسكرياً وسياسياً لتحقيق أعلى درجات الدفاع المشترك.
يجب أن ندرك أننا إذا استعرضنا الحكومات الإيرانية الحديثة المتعاقبة، فإننا نلاحظ أن ''إيران أحمدي نجاد'' أسوأ بكثير من ''إيران الشاه'' رغم أن الشاه كان يجاهر بعدائه لكل دول الخليج العربية، وكان أشد حرصاً على فارسية الخليج.
ولكن حكومة أحمدي نجاد أضافت إلى مجمل الخلافات بين إيران وجيرانها العرب إعادة توظيف الخلافات المذهبية التاريخية في قوالب جديدة تهدم كل أسوار العلاقات الودية.
ويبدو من قراءة الأحداث الساخنة في محيط إيران أن حكم الملالي دخل المرحلة الأخيرة من نظرية الدورات التاريخية، وهي مرحلة الشيخوخة، حيث إن نظرية الدورات التاريخية تقول إن الحضارات والدول تمر بالمراحل نفسها التي يمر بها الإنسان، أولاها مرحلة الولادة، فمرحلة الشباب والازدهار، ثم مرحلة الشيخوخة.
بمعنى أن حكومة الملالي في إيران تقترب من نهايتها وأن إيران مقبلة على مرحلة من مراحل انقلاب الحكم من المحافظين إلى الإصلاحيين الذين سيأخذون إيران إلى مرحلة التصالح مع المجتمع الدولي.
وأخيراً أرجو أن يفيدنا قرار تعميق الدراسة في سرعة إقرار الاتحاد في القمة المقبلة، وأؤكد للقمة الموقرة أن الاتحاد الخليجي مطلب شعبي في جميع دول الخليج الست ولم يعد فقط مطلباً رئاسياً بأية حال من الأحوال.