طواحين الشهادات المُزَوَّرة والوهمية والواهنة!

في ظني أن الشهادات الوهمية والمزورة آفة الدول النامية على وجه الخصوص، وذلك لعدم وجود الأنظمة الرادعة من جهة، ولعدم قدرة جهات التوظيف على التمييز بين الغث والسمين من جهة أخرى! وعلى الرغم من كتابتي مقالات عديدة في هذا الموضوع منذ عام 2007، فإنه لا يزال من الموضوعات التي تستأثر باهتمامي وتستحق الطرح والمناقشة لحين انحسار هذا ''التسونامي'' المخيف! سعدت كثيرًا باستجابة مجلس الشورى ومناقشته المبادرة لإصدار أنظمة تجرم الحصول على الشهادات الوهمية تقدم بها عضو مجلس الشورى الدكتور موافق الرويلي الذي حمل مشعل التوعية بخطورة هذه الشهادات في الإعلام بأنواعه كافة، وخاصة ''تويتر''.
وازدادت سعادتي كثيرًا بعد صدور كتاب جديد من تأليف الدكتور عبد الرحمن أبوعمة، بعنوان ''الشهادات المزورة والوهمية والواهنة''. وتزداد أهمية هذا الكتاب ليس من خلال موضوعه فقط، وإنما لما يتميز به مؤلفه (أبوعمة) من معرفة واسعة، ولما يتمتع به من خبرة طويلة في مجال التعليم العالي عمومًا ومعادلة الشهادات الجامعية خصوصًا.
ويشير الكتاب إلى أن تزوير الشهادات ليس جديدًا، فقد سُجلت حالة تزوير في عام 1876، ثم توالت ممارسات التزوير وانتشرت في معظم بلدان العالم مع اختلافات كبيرة من بلد إلى آخر، محذرًا من أن تزوير الشهادات في ازدياد، وإن كان بمعدلات تختلف من دولة إلى أخرى.
وجاء هذا الكتاب القيم في أحد عشر فصلاً يتناول كل منها جانبًا مهمًّا مثل ''حجم المشكلة'' و''كيفية تحاشي الشهادات المزورة'' و''مكافحة الشهادات المزورة'' و''معادلة الشهادات'' وغيرها. وميّز الكتاب بين أنواع عديدة من الشهادات غير الصحيحة، مثل الشهادات المزورة fraud degree والشهادات الوهمية faked degree والشهادات غير الصحيحة bogus degree والشهادات غير الحقيقية phony degree والشهادات المغلوطة false degree، مشيرًا إلى أن التزوير قد يمتد للسير الذاتية وتقارير التقويم والبحوث وغيرها.
ولمح الكتاب إلى أن هناك من يحمل شهادة الدكتوراه من خارج بلده وهو على رأس العمل، فقد تجد أعضاء في البرلمانات أو مجالس الشورى أو مجالس الشعب أو الأمة من يحملون شهادات مزورة أو من جامعات معروفة بتساهلها في منح الدرجات الأكاديمية أو مشهورة بعدم اكتراثها أو تشجيعها ضمنيًّا للانتحال plagiarism.
ويؤكد الكتاب أن هناك مبالغات ممقوتة في استخدام اللقب العلمي حتى في مناسبات لا تمت إلى العلم أو التعليم العالي بصلة لا من بعيد أو من قريب! وهذا يعني أن تقديس الألقاب العلمية في مجتمعنا والمجتمعات النامية شجع رجال الأعمال على البحث عن طواحين الشهادات لاستكمال ما لديهم من نقص علمي، فكثير منهم يطمح إلى الجمع بين ملكية المال الوفير والألقاب العلمية العالية، فلم يعد لقب ''الشيخ'' يكفي أو يشبع الغرور والكبرياء لدى هؤلاء!
اختتم بالقول إن الشخص الذي يقبل أن يحصل على شهادة دون رصيد علمي لا بد أنه يفتقر إلى الأمانة عمومًا، ولا يمانع من التدليس ولبس ثوب ليس ثوبه! وهذه الممارسة ينبغي أن تؤدي إلى سحب الثقة منه، لأنه لن يتورع عن تجاوز الأنظمة لتحقيق مصالح شخصية أخرى. أتمنى على مجلس الشورى أن يصدر الأنظمة التي تجرم الحصول على هذا النوع من الشهادات لحماية المجتمع من المدلسين والمحتالين! كما أتمنى على وزارة التعليم العالي أن توسع مجال عمل لجنة معادلة الشهادات لتشمل جميع العاملين في القطاع العام والخاص، وأن تقوم الوزارة بحملات توعية حول خطورة الشهادات الوهمية على المجتمع!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي