تحسين بيئة العمل يعتمد حوافز مالية أم ماذا؟!

بين رؤية المديرين وجودة الأداء تكمن عشوائية لا يوجد لها سقف أو غطاء. هذا واقع الحال في كثير من مؤسساتنا المدنية، ولكن ما زلنا لم نحدد بعد حجم المشكلة. الحصر والرصد وتكامل العمل في جمع البيانات ما زال تحت ضغوط العمل اليومية مفقودا أو عاجزا عن وضع ملامح للصورة. ولأن المسألة تعتمد عادة في إصدار القرار على فرد واحد فهو - سبحان الله - الوحيد الذي يرى ما لا يراه غيره!
مشاكلنا الإدارية ما زالت اجتهادية الحلول بالرغم من أننا نستخدم لغة الإداريين، بل نتشدق ببعض المصطلحات في علم النفس السلوكي والمهني لنبرز في الحقلين وليسمى الواحد منا ''عنتر زمانه'' أو Super Hero. للأسف لا يدرك بعض المديرين أو المسؤولين أن الوضع النفسي للموظف يمكن أن يتسبب في خسائر لا حصر لها؛ أقلها تعطيل العمل بالتسيب أو كثرة الاعتذارات أو حبس المعاملات في الأدراج وغير ذلك.
قد يخشى المسؤول التغيير لأنه يتوقع أن تتبعه تغييرات تؤثر عليه. كما أنه يريد أن يترك أثرا يذكِّر الناس به، ولكن لا يجد نفسه يعمل لتحقيق ذلك فعليا. في هذا الواقع المقلق لو اتجه المسؤولون إلى دراسة واقع المحيط أو المنشأة والسماع لمنسوبيها ومحاولة استشارة أهل الاختصاص ليس الإداريين فقط، بل أيضا النفسيين وغيرهم وتطبيق ما يشيرون عليه به، وليس فقط استضافتهم وتوديعهم، فهل سنكون في وضع أفضل؟ لا شك أن استمرار إجراء الأبحاث والدراسات الميدانية لتقييم الأفراد والإنتاجية وآلية العمل، ضرورة ملحة في عصرنا الحالي لأن الإدارة أصبحت تتجدد بتجدد العوامل المؤثرة في العمل والإنتاجية. الحوافز لم تعد مرتبات جيدة أو زيادة مخصصات فقط، فهي حسب غزارة النشر العلمي فيها منذ بداية الثمانينيات أدرجت وضوح رؤى المسؤول في خطط العمل، وموقع عمل ملائم، وتوفير أدوات عمل حديثة، وتقدير شخصي للإنتاجية واعتراف بها، وتمثيل خارج موقع العمل وصلاحيات، حتى لو كانت محدودة، وغير ذلك كثير يحقق ما يبحث عنه المسؤولون وهو: ''الولاء والانتماء والعوائد''. هذا يقودنا إلى حاجتنا في دراسات التقييم والتقدير إلى وجود متخصصين في علوم أخرى بين اقتصاديين وتربويين ونفسيين وحتى مهندسي تصاميم داخلية، لئلا نستمر في العشوائية والتكريس لتجهيل المنسوبين، وهذا الجيل لن يقبل باستمرار الوضع مراقبا أو متابعا أو مهمشا وهو واع جدا لما يدور.
في السنوات المقبلة مع وصول أكثر من 140 ألف خريج تعلموا في أرقى الدول أو تعرضوا لتجارب (لم يكونوا ليتعرضوا لها لو بقوا في أماكنهم) ستكون الإدارة في حالة تغيير دائم. لقد صقلت مواهبهم ومداركهم ومهاراتهم بثقافات مختلفة، وبالتالي كونت هذه المجموعة الكبيرة من الموارد البشرية مبادئ واعتقدت في أساليب عملية إدارية أصبحت تعتنقها ولا تعرف لها بديلا. أما الطموح فلديها منه الكثير الذي يؤكد أن هذا زمنهم ومن هنا تنبع واجباتهم. ولكن إذا ما وجدت الوضع يرزح في المكان نفسه وتكرر ما عاناه الآباء فستكون الخسارة بشرية ومالية ومهنية وقد تكون أخلاقية أيضا.
هؤلاء الشباب حظوا بفرصة ماسية وقد بذلت لهم كل المساعدات وذللت لهم كل الصعاب، وقد أكد ذلك مرة الملحق الثقافي السعودي في الولايات المتحدة في محاضرته التي ألقاها على هامش معرض الكتاب الذي أقيم في الرياض قبل شهرين تقريبا. المحاضرة كانت مدعومة بأرقام بشر بها الحضور والمستمعين من أن من أبنائنا من اقتُبِس من كتاباتهم وأبحاثهم وهم ما زالوا على مقاعد الدراسة. ومن أبنائنا من توصل لاكتشافات أشير لها من أرباب المجال في أرقى جامعة في العالم. ومنهم من برع فاخترع ما سعت معامل كبيرة إلى التوصل إليه بميزانيات ضخمة ولم تتمكن. من ناحية أخرى من أبنائنا من اجتهد فلم يصب ولكنهم كانوا وما زالوا مستمرين في المحاولات لأنهم وضعوا هدفا وهم جادون في تحقيقه. هذه البشائر لا نريدها أن تنعكس سلبا إذا ما عاد الأبناء إلى أرض الوطن. لا يمكن أن يراوح سوق العمل في مكانه من دون أن يتحرك لاستقطابهم واستيعابهم. قد نحتاج إلى تواصل القطاع الخاص مع الطلاب المتميزين، وقد نحتاج إلى اهتمام القطاعات الحكومية بالتدريب بشكل مكثف وعلى مدار العام. كما قد نحتاج إلى تقييم مواقع العمل وما يوفر فيها لخلق بيئة تساعد على الإنتاجية.
حقيقة إذا لم يكن كلنا أجهزة تساند هيئة مكافحة الفساد في مهامها ولجنة حماية المستهلك في واجباتها فسنراوح في المكان ذاته أو أن يكون تقدمنا سلحفائيا. هذا بالطبع سيقف حجر عثرة أمام التنمية التي هب الجميع لدعمها ولم نجد الطريق المثالي للسير فيها بعد. العالم من حولنا أو أبعد من ذلك استطاع الخروج من دائرة إلى أخرى منفتحا على العالم لأنه اقتنع بأن العمل لا يتم بالمهارة المهنية أو الخبرة الإدارية، فقط إنما لا بد من توافر عوامل عدة سبق التطرق لها هنا. فهل سنعدل المسار؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي