الوقود الأحفوري النظيف.. الاستخلاص المعزز للنفط والطاقة الشمسية

عمليا وتقنيا لا يمكن استخراج وإنتاج كل الموارد النفطية الموجودة في باطن الأرض، حيث تترك الصناعة النفطية وراءها حاليا نحو 65 في المائة أو أكثر في المتوسط من النفط في الحقول التي تم التخلي عنها لأي سبب من الأسباب أو التي تعد في المراحل المتأخرة من النضوب باستخدام تقنيات الإنتاج الأولية. إن إنتاج أي نسبة إضافية من شأنه إضافة كميات هائلة من احتياطيات النفط (والإنتاج) من المكامن المكتشفة، وبالتالي تقليل الحاجة إلى الاعتماد بشكل كبير على الاكتشافات الجديدة أو على البدائل الأخرى للطاقة. على المديين المتوسط والبعيد تهدف الصناعة النفطية إلى إنتاج نحو 60 في المائة إلى 70 في المائة من الموارد النفطية التقليدية الموجودة في باطن الأرض، ونحو 30 في المائة من الموارد النفطية غير التقليدية. إن تقنيات الاستخلاص المعزز للنفط (الاستخراج المحسن للنفط) تعد واحدة من أهم البدائل المعول عليها لزيادة إمدادات النفط العالمية. تقنيات الاستخلاص المعزز للنفط أو ما يعرف أيضا بالطرق الثلاثية Tertiary، تشمل الطرق الحرارية، طرق الامتزاج miscible، أو العمليات الكيماوية، التي تعمل جميعها على استخلاص أكبر قدر ممكن مما تبقى من النفط.
تحسين استخلاص موارد النفط الثقيلة يتطلب حقن البخار، وهي عملية تستلزم استخدام كميات كبيرة من الطاقة، وجرت العادة على أن تعتمد على الغاز الطبيعي. في هذا المقال سنتطرق إلى إمكانية استخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية الحرارية بصورة اقتصادية في عمليات الاستخلاص المعزز للنفط الثقيل.
مما لا شك فيه أن الطلب العالمي على النفط سيرتفع في المستقبل، لذلك تعزيز استخلاص الحقول النفطية ليس خيارا للصناعة، بل ضرورة ملحة. هذا يعني أن الاستخلاص المعزز للنفط (EOR) سيكتسب أهمية متزايدة بصورة مطردة مع مرور الوقت. على الرغم من أن هناك تقنيات كثيرة لعميات الاستخلاص المعزز للنفط، إلا أن أكثر العمليات استهلاكا للطاقة تشمل حقن البخار، حيث يعتبر البخار الحل الأمثل بالنسبة لخصائص النفوط الثقيلة، مثل تلك الموجودة في الولايات المتحدة في وسط كاليفورنيا، الرمال النفطية الكندية في البرتا، حزام أورينوكو في فنزويلا، حقول النفط الثقيلة في منطقة الشرق الأوسط.
تكنولوجيا الطاقة الشمسية يمكن أن توفر في الواقع حلا لأحد التحديات الرئيسة التي تواجه العديد من منتجي النفط في العالم، الذي يكمن في استخدام تقنيات الاستخلاص المعزز للنفط بصورة اقتصادية ونظيفة وتوفير استخدام الغاز لأغراض أخرى.
النموذج التقليدي للاستخلاص المعزز للنفط الثقيل بالطرق الحرارية يتضمن حرق الغاز الطبيعي لتوليد البخار. لكن ماذا لو كان بالإمكان القيام بذلك بصورة اقتصادية أيضا عن طريق استخدام الطاقة الشمسية؟ في هذا الجانب تشير بعض الدراسات إلى إمكانية استخدام الطاقة الشمسية للاستخلاص المعزز للنفط بصورة أكثر فاعلية من حيث التكلفة من حرق الغاز، حتى بالأسعار المتدنية حاليا للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة. عادة ما يميل الناس إلى التفكير في الطاقة الشمسية باعتبارها وسيلة لتوليد الطاقة المتجددة، لكن في هذا الجانب يتم استخدام الطاقة الشمسية، على وجه التحديد تكنولوجيا التركيز الحراري للطاقة الشمسية لتوليد الحرارة لإنتاج البخار، حيث يمثل البخار نحو 60 في المائة من تكلفة الإنتاج لمشاريع النفط الثقيل.
يوجد في العالم اليوم عدد من المشاريع الريادية لاستخلاص النفط المعزز باستخدام تكنولوجيا التركيز الحراري للطاقة الشمسية، المشروع الأول في العالم من هذا النوع كان في ولاية كاليفورنيا، تكلفة توليد البخار للمشروع تساوي 4.00 دولار لكل مليون قدم مكعب دون الأخذ في الاعتبار أي حوافز. لكن باعتماد الـ 30 في المائة حوافز ضريبية اتحادية على الاستثمار انخفضت التكلفة إلى 2.8 دولار لكل مليون قدم مكعب. أرقام الكلف هذه تستند إلى مستويات شدة أشعة الشمس في وسط ولاية كاليفورنيا. في حين في منطقة الخليج العربي، حيث مستويات شدة أشعة الشمس عالية، يمكن أن تنخفض الكلفة إلى 2.0 دولار لكل مليون قدم مكعب. في المقابل التكاليف ستكون أعلى في منطقة ألبرتا في كندا.
في الوقت الحاضر توجد في الولايات المتحدة خمسة مشاريع لاستخلاص النفط المعزز بالطرق الحرارية، تستهلك معا نحو 285 مليار قدم مكعب من الغاز سنويا أي ما يعادل نحو 800 مليون قدم مكعب من الغاز في اليوم. هذا الرقم يمثل نحو 1.3 في المائة من إجمالي الطلب على الغاز في الولايات المتحدة. استخدام الطاقة الشمسية لتعزيز استخلاص النفط لا يمكن أن يعوض عن جميع هذه الكميات من استهلاك الغاز، لأنه بطبيعة الحال، ليس هناك ضوء شمس في الليل، حتى أثناء النهار هو على فترات متقطعة. لكن من الناحية العملية تشير الدراسات إلى أن استخدام هذه التقنية في منطقة مثل وسط ولاية كاليفورنيا يمكن أن يعوض عن نحو 20 في المائة من استهلاك الغاز على أقل تقدير أي ما يعادل نحو 160 مليون قدم مكعب من الغاز في اليوم.
الرمال النفطية في ألبرتا توفر فرصة أخرى لتطبيق الطاقة الشمسية للاستخلاص المعزز للنفط، وإن لم يكن مربحا كما هو الحال في كاليفورنيا بسبب انخفاض شدة أشعة الشمس. في الوقت الحاضر، تستهلك مشاريع الرمال النفطية في كندا مجتمعة نحو 1.0 مليار قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعي أو 11 في المائة من إجمالي الطلب الكندي على الغاز. على افتراض أن استخدام تقنية التركيز الحراري للطاقة الشمسية توفر 20 في المائة من الغاز كما هو الحال في ولاية كاليفورنيا، هذا التوفير يعادل نحو 200 مليون قدم مكعب من الغاز في اليوم. بالنظر إلى أن إنتاج النفط من الرمال النفطية من المتوقع أن ينمو في المستقبل بصورة كبيرة، هذا النمو سيشكل فرصة لاستخدام تقنيات متطورة لتوليد البخار مثل الطاقة الشمسية.
في منطقة الخليج العربي، معظم دول الخليج تعاني نقصا في الغاز الطبيعي باستثناء قطر، في الواقع عمان والإمارات وغيرها تستورد الغاز الطبيعي. هذا ينطبق بصورة خاصة على عمان التي تسعى بقوة من أجل تطبيق تقنيات تعزيز استخلاص النفط لرفع وديمومة الإنتاج. بما أن الغاز الذي تستورده هذه الدول قد يكون عن طريق شراء الغاز الطبيعي المسال من الأسواق الدولية فإن سعر الغاز عادة مرتفع وقد يزيد على 10.0 دولار لكل مليون قدم مكعب. إذا ما تم استخدام الطاقة الشمسية لتعزيز استخلاص النفط فإن ذلك قد يوفر كثيرا من الناحية الاقتصادية، إضافة إلى الفوائد الأخرى التي توفرها هذه التقنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي