رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الإعلام المحلي و«نجوم الجامعات»

لا يخفى على أحد أننا في العالم العربي نافسنا الغرب في كل ما هو ثانوي أو سطحي وتركنا لهم الساحة في كل ما هو رئيسي أو عميق، حتى أننا فهمنا الرأسمالية والرسملة وطبقناها بطريقة صحيحة في المجالات الثانوية أو السطحية التي لا تصنع نهضة أو حضارة خصوصا إذا كانت خارج إطار فكري وتوجهات استراتيجية واضحة.
نافسنا الغرب في برامج الغناء والرقص، وصنعنا النجوم وحشدنا الشارع لهم، ومكناهم من رسملة نجاحاتهم في هذا المجال وتحقيق المال والشهرة من ورائها فشعروا بالتقدير والرضى الذاتي وأصبحوا في مستويات معيشية أكثر من ممتازة فأبدعوا في مجالاتهم أيما إبداع كمحصلة للتشجيع والتمكين حتى غصت الساحة بالمطربين والمطربات والراقصين والراقصات.
نعم استطعنا أن نطور برامج مشابهة لما في الغرب استقطبت المواهب في هذه المجالات وجعلنا المجتمعات العربية تتابع التصفيات وتتابع من وصلوا للمراحل النهائية، وتشارك في الاختيار، ومكنا المواهب التي وصلت للنهائيات من صقل مواهبهم وتنميتها وتحقيق الشهرة، ومن فاز منهم أصبح نجما يشار له بالبنان وحقق المكانة الاجتماعية والاقتصادية التي يطمح إليها. ولا يخفى على أحد أن ذلك لا يندرج في إطار توجه استراتيجي يستهدف نهضة أو بناء حضارة، بل العكس من ذلك إذ إننا نشك أن هذه البرامج تستهدف جذب الشباب لاهتمامات هامشية تعطل طاقاتهم وتوجههم إلى ما لا ينفعهم ولا ينفع أوطانهم.
منهجية صناعة النجوم وتمكينهم من رسملة ما حققوه من نجاحات اجتماعيا واقتصاديا طبقت في مجال الشعر النبطي والفصيح، حيث عملت برامج عديدة أشهرها ''شاعر المليون'' على استقطاب الشعراء الموهوبين من الشباب والشابات. واستطاعت هذه البرامج صناعة عدة نجوم شعرية حصلت على المكانة الاجتماعية والمردود الاقتصادي وما زالت، ولكن بكل تأكيد ليس في إطار توجه استراتيجي لاستثمارهم كأدوات صناعة رأي في تشكيل قيم ومفاهيم الشباب لدفعهم للمساهمة الفاعلة في مشروع صناعي أو نهضوي أو ثقافي، بل على العكس من ذلك أيضا إذ نرى كثيرا من الأشعار تثير النعرات القبلية والطائفية والمناطقية وتسهم في تشويه الفكر وتفتيت المجتمع.
كلنا نعلم أن المجتمعات المتقدمة تفوقت على غيرها بالعلوم الأساسية وتطبيقاتها فمن يملك العلم والتقنية يملك القوة ومحركات التقدم والنهضة في أبعادها كافة. ومع الأسف الشديد فإن عالمنا العربي وعبر عقود طويلة لم يبد اهتماما بالشباب المهتمين والموهوبين في هذه العلوم ما جعل الكثير من العقول العربية تهاجر نحو الشمال بحثا عن البيئة التي تنميها وتطلق طاقاتها وتشبع ذاتها وتحقق لها المكانة الاجتماعية والاقتصادية والأمثلة كثيرة ومتعددة. ومن المضحك أن بعض الأوطان العربية تفخر بهم عندما نجحوا في البيئة الغربية التي استقطبتهم واستوعبتهم ونمت قدراتهم ودعمتهم للابتكار والإبداع والنجومية، ومكنتهم من رسملة نجاحاتهم حتى أصبحوا يشار إليهم بالبنان كالدكتور أحمد زويل والدكتور الباز وغيرهم كثير، ولو بقوا في بيئات من يفخر بهم لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه.
وزارة التعليم العالي وعلى مدار ثلاث سنوات أطلقت مبادرة تطويرية بمسمى ''المؤتمر العلمي لطلاب وطالبات التعليم العالي'' في المملكة، وهي عبارة عن منافسة بين طلاب الجامعات في أنحاء المملكة كافة في محور العلوم الرئيسة (العلوم الإنسانية والاجتماعية والأساسية والهندسية، والعلوم الصحية)، والمعني بالجوانب الأكاديمية والإثرائية ويستهدف تنشيط مهارات البحث والتحليل والتشخيص، ومحور الأنشطة المصاحبة المعني بالجوانب الابتكارية والفنية ويستهدف تنشيط مهارات التخيل والابتكار والإبداع.
هذه المبادرة تستقطب طلبة الجامعات الموهوبين والمتميزين والمبتكرين وتدخلهم في تصفيات في جامعاتهم كمرحلة أولية، ومن يجتاز المنافسات الداخلية ينتقل للمنافسة على مستوى الوطن، ومن يفوز في أي من مجالات محور العلوم الأساسية يحصل على جائزة ''الريشة الذهبية'' على غرار جائزة ''الأوسكار'' أو جائزة '' البيرق'' كما يحصل على جائزة نقدية، بينما يحصل الفائزون في أي من مجالات محور الأنشطة المصاحبة على جائزة نقدية. وما من شك أن المؤتمر بهذا يدعم توجهات بلادنا الاستراتيجية من جهة تنمية واستثمار العنصر البشري الوطني وتعزيز اقتصاديات المعرفة بتحفيز طلبة الجامعات المحلية للمساهمة في نهضة بلادنا العلمية من خلال توظيف حصيلتهم العلمية في مشاريع بحثية وأعمال إبداعية في التخصصات المختلفة.
مع الأسف الشديد هذا البرنامج التنموي الفعال الرائد الذي يلامس هموم بلادنا العميقة والذي يأتي في إطار التوجهات الاستراتيجية لم يوضع في دورة كاملة كما هو حال برامج الرقص والغناء والشعر لتمكين الفائزين فيه من تحقيق أهدافهم ورسملة جهودهم ونجاحاتهم اجتماعيا واقتصاديا وذلك بسبب الغياب الإعلامي شبه الكامل رغم كثرة قنواتنا التلفزيونية الحكومية والخاصة فبقي هؤلاء الناجحون دون شهرة وسمعة ترضي ذاتهم وتحفزهم للمزيد وتمكنهم من رسملة جهودهم وإبداعاتهم.
كلي رجاء أن تتعاون وزارة التعليم العالي في النسخة الرابعة من هذا المؤتمر الرائد مع وزارة الإعلام ومنذ اللحظة لتطوير برنامج إعلامي جاذب يشارك به القطاع الخاص وأفراد المجتمع يساهم في صناعة نجوم الجامعات ويمكنهم من رسملة جهودهم وإبداعاتهم اجتماعيا واقتصاديا. وبكل تأكيد لو نجح هذا البرنامج في جذب الشركات السعودية الكبرى مثل ''أرامكو'' و''سابك'' وشركات الكهرباء والمياه والاتصالات وغيرها، وأتاح الفرصة للجمهور لمتابعة مراحل التصفيات كاملة والمشاركة بصورة أو بأخرى في دعمها ومعرفة نجومها من أبنائنا الطلبة المبدعين وصولا للمؤتمر النهائي لكان أكثر تأثيرا وفعالية في تحقيق ما نصبو ويصبو إليه أبناؤنا الطلبة من طموحات. والأمل كبير في وزارة التعليم العالي ووزارة الإعلام، ونتطلع إلى إعلان قريب بهذا الشأن لتغص ساحتنا بنجوم الجامعات من العلماء والعالمات والمبتكرين والمبتكرات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي