3 تحديات لاستدامة كهرباء الصناعة

مر قطاع الكهرباء بعمليات إعادة هيكلة جذرية منذ الخمسينيات الميلادية حتى اليوم. كان الدافع الرئيس خلف عمليات الهيكلة هذه مواجهة تحديات جسام واجهها القطاع في توفير الطاقة اللازمة للقطاعات الصناعية والتجارية الرئيسة إبان فترة الطفرة الاقتصادية الأولى خلال السبعينيات الماضية. كان قطاع الكهرباء خلال تلك الفترة بعيدا بعض الشيء عن مؤشرات الطفرة الاقتصادية. كان القطاع عبارة عن عشرات الشركات المنتشرة في مناطق المدن الرئيسة، وشبكات كهرباء مستقلة تغذي مناطق المدن الرئيسة، وتعريفة سعرية عبارة عن 14 هللة لكل كيلو واط في الساعة، وزيادة قليلة في الاستهلاك تقدر بـ5 في المائة تقابلها زيادة مماثلة في الإنتاج، ومتوسط مكرر ربحية بين عشرات الشركات يعد مرتفعا جداً، وعدم وجود هيئة حكومية تشرف وتراقب سير العملية الإنتاجية والتسويقية، وكفاءة تشغيلية متباينة بين عشرات الشركات.
مرت الخمسينيات والستينيات الميلادية بسلام مع مرحلة التأسيس المبدئي للاقتصاد السعودي، إلا أن دوام الحال من المحال، حيث مر الاقتصاد السعودي في السبعينيات بطفرة اقتصادية عمت بنفعها جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فنما استهلاك الطاقة بمقدار 50 في المائة، وخفضت الدولة تعريفة الاستهلاك بمقدار النصف، مع ضمان ربحية تقارب 15 في المائة لمساهمي شركات الكهرباء، وتمت إعادة هيكلة القطاع بأكمله من خلال دمج شركات الكهرباء، وتفعيل دور الرقابة والإشراف الحكومي بإنشاء وزارة الكهرباء.
استمرت عملية إعادة الهيكلة بما يضمن استدامة نشاط توليد الطاقة لأداء دوره المنوط به في دعم عملية نمو الاقتصاد السعودي واستدامته. كان من مراحل إعادة الهيكلة هذه ما حدث قبل عقد من الزمن عندما دمج نشاط الطاقة تحت مظلة شركة جديدة ''سميت الشركة السعودية للكهرباء''، واعتمدت لها تعريفة جديدة، لتتولى الشركة الجديدة مهام بناء شبكات ومحطات إنتاج الطاقة، ونقلها، وتقديم خدمات كهربائية بكفاءة عالية لجميع مناطق المملكة.
حققت الشركة الجديدة مجموعة من الإنجازات، وواجهت في الوقت ذاته مجموعة من التحديات. يشير ''تقرير الإنجازات'' الصادر أخيرا من الشركة إلى مجموعة من هذه الإنجازات منذ نشأة الشركة حتى اليوم. من أهم هذه الإنجازات نمو معدل إنتاج الطاقة بنسبة 52 في المائة، ونمو مساحة طول خط نقل الطاقة بمقدار 38 في المائة، ونمو طول خط توزيع الطاقة بمقدار 55 في المائة، ونمو عدد المشتركين بمقدار 57 في المائة، ونمو عدد المدن والهجر المستفيدة بمقدار 51 في المائة.
وعلى الرغم من جميع هذه الإنجازات، إلا أن مجموعة من التحديات ما زالت قائمة. من أهم هذه التحديات انخفاض الإيرادات بنحو أربعة مليارات ريال سنوياً، وتأجيل مجموعة من المشاريع المقررة لإنتاج الطاقة وتعزيزها، وتوافر احتياطي إنتاج الطاقة لتلبية الطلب الصناعي، والتمويل المالي لتمويل الطلب المستقبلي في المديين المتوسط والطويل.
شهد العقد الماضي نقلة نوعية في مسيرة عملية إعادة هيكلة قطاع الكهرباء بصدور نظام الكهرباء الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/56) وتاريخ 20/10/1426 هـ. وعلى الرغم من أن النظام هدف إلى تحقيق أهداف طموحة كان من أهمها تحسين جودة الخدمة، وحفظ حقوق الأطراف ذات العلاقة ومصالحهم، والاستدامة في إمدادات الطاقة، إلا أن النقلة النوعية في هذا النظام تمثلت في إعادة رسم هيكل قطاع الطاقة للألفية الحالية رسماً يختلف اختلافاً جذرياً عن لوحة الماضي.
كان من باكورة هذا النظام المشروع الطموح الذي أطلقته وزارة المياه والكهرباء قبل قرابة أربعة أعوام يهدف إلى إنشاء قطاع مواز لقطاع إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية القائم. حددت الفترة الزمنية لاكتمال تنفيذ هذا المشروع الطموح نهاية 2015، وقسمت مراحل تنفيذه إلى ثلاث مراحل متوازية. هدفت المرحلة الأولى إلى فتح باب المشاركة في أنشطة إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية أمام الشركات الصناعية من خلال تشجيعهم على الاعتماد الذاتي لتلبية احتياجاتهم من الطاقة الكهربائية. اكتملت عملية تنفيذ المرحلة الأولى عندما أعلنت هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج قبل عامين رفع تعريفة الاستهلاك الكهربائي على القطاعات الحكومية والصناعية والتجارية. أتى الإعلان في سياق تشجيع القطاعات الصناعية والتجارية لإزاحة أحمالها عن فترات الذروة، وتقديم أسعار محفزة لهم خارج أوقات الذروة في فترات معينة من السنة.
أعقب المرحلة الأولى هذه مرحلة ثانية يمتد تنفيذها حتى 2015 وتهدف إلى إنشاء قطاع مواز لقطاع إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية القائم. سيضم هذا القطاع الموازي الحديث، إضافة إلى المؤسسات والهيئات الحكومية المعنية بمراقبة نشاط توليد الطاقة، مجموعة من شركات القطاع الخاص التي سيتحور دورها من مستهلك كبير للطاقة الكهربائية حسب الهيكلة الحالية إلى منتج رئيس للطاقة الكهربائية. وعندما تسير أمور تنفيذ المرحلة الثانية حسب المعد لها، وضمن الجدول الزمني المستهدف، فإن ذلك يعني بداية أن المرحلة الزمنية ما بعد 2015 ستشهد نشأة قطاعات توليد طاقة كهربائية مختلفة تعتمد على التنافس المباشر بين كبار المستهلكين من القطاعات التجارية والصناعية المختلفة وشركات الكهرباء القائمة.
تقودنا القراءة المختصرة لتطورات قطاع الكهرباء خلال الفترة الزمنية الماضية إلى النظر في مستقبل القطاع ومحاولة التأكيد على معالجة ثلاثة تحديات جسام تكمن في تهيئة قطاعات إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية بما يمكنها من الإسهام في نجاح قطاع توليد وإنتاج الطاقة الموازي المستهدف. التحدي الأول دعم الكفاءة الاقتصادية للمؤسسات والهيئات الحكومية ذات العلاقة ومثيلاتها في القطاعات الصناعية والتجارية الراغبة في المشاركة في إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية. والتحدي الثاني تأهيل الشركات الراغبة في المشاركة من خلال تحوير دورها من مستهلك رئيس للطاقة الكهربائية إلى منتج رئيس. والأمر الثالث الموازنة بين أهداف وتحفظات شركات الكهرباء القائمة وتلك الراغبة، ما من شأنه تفعيل مبادئ العدل وتساوي الفرص التنافسية بينهم.
النقلة النوعية في مسيرة عملية إعادة هيكلة قطاع الكهرباء مهمة ليست باليسيرة يستلزم تحقيق أهدافها الطموحة النظر في مقومات قطاع الكهرباء القائمة والآفاق المرجوة، ما من شأنه دعم حركة التنمية الصناعية وتنميتها نحو تطوير اقتصاد وطني مفعم بالحيوية والنشاط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي