الأسواق متخمة بالنفط
إن درجة ومستوى القلق والتخوف الذي يبديه الكثيرون حول متانة واستقرار أسواق النفط لا يتناسب مع متانة التوقعات الحالية لاتجاهات العرض والطلب على النفط، ما ينعكس بالتالي على مستوى الأسعار.
على الرغم من قوة العرض وضعف الطلب، إلا أن التوتر ما زال يلقي بظلاله على أسواق النفط العالمية، حيث إن الأسواق تبدي قلقها بصورة كبيرة حول ما إذا كانت الطاقات الاحتياطية لدى دول منظمة أوبك حقا كافية لتعويض أي نقص في الإمدادات وقلقة أيضا حول ما سيكون عليه رد فعل السوق حول بيانات المخزونات الاستراتيجية وعلى الأنباء الاقتصادية حول حالة الاقتصاد القادمة من الولايات المتحدة، اليابان، أوروبا، الصين وغيرها. هناك أيضا توتر وتخمينات حول برنامج إيران النووي.
على الرغم من أن هناك احتمالا قويا بانخفاض الإمدادات الإيرانية وتباطؤ النمو في ليبيا، إلا أن ارتفاع الإمدادات من العراق قد يستمر بصورة جيدة، ما لا شك فيه أيضا الاتجاه التصاعدي المطرد في إمدادات الولايات المتحدة وتعافي الإمدادات من الرمال النفطية في كندا من المرجح جدا أن تنضم قريبا لهذا الاتجاه.
في الوقت الحاضر لا تزال إمدادات النفط العالمية تتفوق بقوة على الطلب العالمي، ما يترك مجالا واسعا لتأمين أي نقص إضافي في الإمدادات من إيران أو من أي تعطل في الإمدادات من المناطق الأخرى من العالم التي تعاني توترات سياسية أو مشكلات تقنية وتوقفات غير مخطط لها. في حين أن الطلب العالمي على النفط ما زال ضعيفا نتيجة تأثير سياسات الدول المستهلكة وضعف الاقتصاد في أوروبا وارتفاع الأسعار.
في آذار (مارس) من العام الجاري استعادت إمدادات النفط العالمية تفوقها بعد انخفاض طفيف في مخزون النفط العالمي في شباط (فبراير)، معززة بذلك الارتفاع الكبير في المخزون النفطي العالمي الذي شهده كانون الثاني (يناير)، حيث تجاوز معروض النفط العالمي الطلب في آذار (مارس) بنحو 2.4 مليون برميل يوميا وفي كانون الثاني (يناير) بنحو 1.9 مليون برميل يوميا. في حين تفوق الطلب على العرض بصورة متواضعة جدا في شباط (فبراير) بمقدار 0.1 مليون برميل يوميا، ككل شهد الربع الأول من عام 2012 ارتفاعا في المخزون النفطي العالمي على غير العادة بنحو 1.4 مليون برميل يوميا.
لقد تراجع استهلاك النفط العالمي في آذار (مارس) 2012 أكثر من 2.0 مليون برميل يوميا مقارنة بشباط (فبراير)، هذا الانخفاض في الاستهلاك يعتبر إلى حد ما تحولا موسميا طبيعيا. من ناحية أخرى، ارتفع المعروض العالمي من النفط بنحو 0.3 مليون برميل في اليوم في الشهر نفسه، مدعوما بزيادة الإنتاج من السعودية وبعض دول الخليج العربي الأخرى محاولة منها لتهدئة أسعار النفط التي وصلت في تلك الفترة إلى مستويات تعتبر حرجة لنمو الاقتصادي العالمي، خاصة بالنسبة للبلدان المثقلة بالديون السيادية. على مدى عام منذ آذار (مارس) من العام الماضي ارتفع الطلب العالمي على النفط بنحو 0.25 مليون برميل يوميا فقط، في حين ارتفع المعروض العالمي من النفط في الفترة نفسها بنحو 3.0 مليون برميل يوميا.
على الرغم من أن نمو الطلب على النفط كان متواضعا في الربع الأول من هذا العام، إلا أن الطلب على النفط في دول منظمة التعاون والتنمية ينبغي أن يتحسن نسبيا خلال الفترة المتبقية من العام مع التعافي التدريجي للنمو الاقتصادي، خصوصا في أوروبا. في الفترة بين الربع الأول من عام 2011 والربع الأول من هذا العام انخفض استهلاك النفط في دول منظمة التعاون والتنمية بنحو 0.8 مليون برميل في اليوم، هذا يعتبر أسوأ أداء منذ الربع الرابع من عام 2009. في الربع الأول فقط من هذا العام انهار الطلب على النفط في أمريكا الشمالية بنحو 0.75 مليون برميل يوميا، الولايات المتحدة كانت المساهم الأكبر في هذا الانخفاض. على الرغم من أن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة كان قويا نسبيا خلال الأشهر الأخيرة مقارنة بالمناطق الأخرى من منظمة التعاون والتنمية، إلا أن ارتفاع أسعار المنتجات النفطية والمواقف المناهضة للنفط من قبل المستهلكين والحكومة قللا من استهلاك النفط.
من ناحية أخرى، من المتوقع أن يبقى نمو الطلب على النفط ثابتا نسبيا في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية خلال الفترة المتبقية من السنة، حيث إن ارتفاع أسعار النفط الخام والمنتجات من المتوقع أن يوازن كفة الانتعاش المتواضع في النمو الاقتصادي. في الفترة بين الربع الأول من عام 2011 والربع الأول من هذا العام ارتفع استهلاك النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية أكثر من 1.2 مليون برميل في اليوم، أي نحو 3.0 في المائة. نمو الطلب في الدول الآسيوية غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية كان متواضعا نسبيا في تلك الفترة، حيث بلغ 0.65 مليون برميل في اليوم أو نحو 3.3 في المائة مقارنة بـ 6.6 في المائة للفترة منذ انتعاش الاقتصاد العالمي في الربع الثاني من عام 2009.
إن ارتفاع أسعار المنتجات النفطية أثر سلبا في استهلاك النفط في آسيا أيضا. مثالا على ذلك الطلب على الديزل في الصين، في بداية العام كانت الصين تتوقع أن تجابه في الربع الثاني عجزا أكثر من 0.1 مليون برميل يوميا في إمدادات الديزل. بدلا من ذلك شهد مخزون وقود الديزل ارتفاعا تجاوز 12 في المائة في شباط (فبراير) وحده، نتيجة ارتفاع أسعار وقود الديزل في المحطات إلى مستويات قياسية بعد أن قامت الحكومة بزيادة الأسعار مرتين في وقت سابق من هذا العام.
من المتوقع الآن أن ينمو الطلب العالمي على النفط بنحو 0.8 مليون برميل في اليوم في عام 2012، مدعوما أيضا بزيادة الطلب في اليابان نتيجة توقف محطات توليد الطاقة النووية، حيث كان يفترض سابقا أن عددا كبيرا من المفاعلات النووية على وشك أن تتم إعادة تشغيلها في هذا العام، لكن ذلك يبدو مستبعدا في الوقت الحاضر، حيث تحتاج الحكومة إلى الموافقات اللازمة من السلطات المحلية التي تصر على وجود نظام للسلامة جديد قبل البدء بالتشغيل.
تخمة الأسواق بالنفط وضعف نمو الطلب والبيانات غير المشجعة عن حالة الاقتصاد في أوروبا والولايات المتحدة، أسهمت في كبح الأسعار وفي توفير ضمانة ضد أي انقطاع في الإمدادات من إيران أو غيرها من المنتجين. أسهمت أيضا في انتفاء الحاجة إلى الاستعانة باحتياطي النفط الاستراتيجي أو بضخ المزيد من الطاقات الاحتياطية من دول منظمة أوبك، على الأقل في الوقت الحاضر.