«البحيرات المرة» تؤسس لعلاقة الرياض والقاهرة .. وتوقيع «فاروق» يوثقها
حينما نستعرض تاريخ العلاقات السعودية - المصرية نجد أنها علاقات راسخة ومتجذرة في التاريخ المعاصر للدولتين العربيتين المسلمتين الشقيقتين.
وإذا كان بعض الغوغائيين قد تجاوزوا الحدود الطبيعية وقفزوا على العلاقات التاريخية الراسخة والشاهقة، فإن واجب كبار المصريين من القادة السياسيين والمثقفين أن يعالجوا هذا الخروج ويتوجهوا إلى أشقائهم في المملكة العربية السعودية ليعيدوا إلى العلاقات دفئها وطبيعتها. ولقد استقبلت المملكة العربية السعودية - قيادة وشعباً - أشقاءهم المصريين بكل الحب والاحترام والتقدير، وكانت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في ممثلي الشعب المصري تعبيراً صادقاً وأميناً عن حب السعوديين للمصريين، بل كانت كلمة خادم الحرمين الشريفين أيضاً تعبيراً صادقاً عن حب المصريين للسعوديين.
إن خادم الحرمين الشريفين لم يعبر عن مشاعر السعوديين تجاه مصر والمصريين، بل عبر عن مشاعر المصريين في السعوديين والسعودية.
نعم، في لحظات استطاع القائد خادم الحرمين الشريفين بحنكته السياسية الرائدة أن يحتوي الموقف ويعيد الدفء إلى العلاقات السعودية - المصرية التي لا تعرف إلا الحب والاحترام المتبادلين، سواء على مستوى القيادة أم على مستوى الشعبين الشقيقين المتلاحمين.
والمتابع للعلاقات بين البلدين الشقيقين في كل مراحل التاريخ الحديث يجد أن القيادات السياسية لا تتحدث أبداً من الحاضر، وإنما تتحدث - دائماً - من الماضي الممتد إلى الحاضر وحتى المستقبل، لأن حديث التجارب التاريخية يعني الحديث عن الأواصر والمبادئ والتجارب الأخوية الصادقة.
ولقد كانت وما زالت الأواصر بين القيادتين والشعبين تتجدد لتؤكد أن المستقبل بين البلدين - دائماً - هو الأفضل.
إن الملك عبد العزيز - يرحمه الله - وضع العلاقات مع مصر في ثنايا تأسيس المملكة العربية السعودية، وأكد أهمية أن تكون العلاقات دائماً ودية ودافئة.
ومنذ فجر تأسيس المملكة العربية السعودية أبرم الملك عبد العزيز أول معاهدة صداقة وحسن جوار مع الحكومة المصرية في 24 صفر 1355هـ (7 مايو 1936م)، وهذه المعاهدة عبرت على الدوام عن مبلغ حرص الملك عبد العزيز على بناء علاقة حميمية ودافئة بين المملكة العربية السعودية ومصر.
ولقد أثبتت الأحداث في منطقتنا العربية أن العلاقة بين السعودية ومصر، إنما هي علاقة تاريخية تقوم على المبادئ والأخلاق، ولا تقوم على غير ذلك من أساليب الخداع، فحينما أراد الرئيس الأمريكي روزفلت بعد الانتهاء من الحرب الكونية الثانية أن يجتمع مع الملك عبد العزيز اختار الملك عبد العزيز البحيرات المرة الواقعة في الأراضي المصرية للاجتماع، وفعلاً عقد الاجتماع في 15 شباط (فبراير) 1945، وفي هذا الاجتماع وضعت السعودية ومصر والولايات المتحدة أسس الاستقرار والأمن في ربوع المنطقة عقب حرب عالمية ضارية.
وحينما عاد الملك عبد العزيز إلى ميناء جدة ألقى في السرادق الذي أقيم له كلمة قال فيها: من فضل الله علينا جميعاً أن كانت كلمتنا مجتمعة على مواصلة جهودنا في تأييد جامعة الدول العربية وبذل كل غالٍ في تأييد التضامن بين سائر دول الجامعة بالقلب والروح لما فيه خير البلاد الإسلامية والعربية، وسنستمر على هذه السياسة - بمشيئة الله - ما حيينا وسنورثها بيننا، ثم أضاف الملك عبد العزيز قائلاً: ليس البيان بمسعف في وصف ما لاقيته في مصر، ولكن اعتزازي بأنني كنت أشعر بأن جيش مصر العربي هو جيشكم وجيشكم هو جيش مصر، وحضارة مصر هي حضارتكم، وحضارتكم هي حضارة مصر، والجيشان والحضارتان جند للعرب. ومن بين ما يجب أن تعرفه الأجيال الحالية والقادمة عن العلاقة التي أرساها الملك عبد العزيز بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، هو أن المملكة في عام 1945 وكلت الملك فاروق - ملك مصر يومذاك - لكي يوقع بالأصالة عن مصر، وبالنيابة عن المملكة العربية السعودية على وثيقة إنشاء جامعة الدول العربية، أي أن السعودية ومصر كانتا أول الموقعين - بماء الذهب - على ميثاق تأسيس جامعة الدول العربية. الجامعة التي تقرر أن تكون وظيفتها الأولى هي السهر على وحدة الأمة العربية وإقرار خيار التضامن والأخوة والتفاهم على كل الخيارات الخلافية الأخرى.
ولقد ورَّث الملك عبد العزيز أبناءه الخمسة سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبد الله بناء علاقات حميمية ودافئة بين المملكة العربية السعودية ومصر.
وحينما شاب العلاقات السعودية - المصرية شائبة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، جاء أحد الصحفيين الأمريكيين إلى الملك فيصل وسأله عن رأيه فيما قاله عبد الناصر في خطابه عن الملك فيصل، فأجابه الملك فيصل - يرحمه الله - رداً سياسياً محنكاً: إن العرب في حاجة ماسة إلى ما يجمعهم لا ما يفرقهم.
ولذلك لا يستطيع كائن من كان أن يعكر صفو العلاقات السعودية - المصرية المتجذرة منذ عهد الملك عبد العزيز وحتى الآن وإلى ما شاء الله.
وها هم أبناء الكنانة الحريصون على بقاء العلاقات الودية الدافئة يأتون إلى إخوانهم في المملكة العربية السعودية ليعيدوا هيكلة العلاقات من الشوائب الطارئة التي انتابتها في الأيام القليلة الماضية، وها هم أبناء المملكة العربية السعودية يأخذون أشقاءهم المصريين بالأحضان ويعدوهم بأنهم معاً قادرون على طرد الفتن الطارئة وإحلال روح الإخاء والمودة بين الشعبين الشقيقين الذين كانوا وما زالوا على علاقات مبنية على الاحترام المتبادل والتعاون في كل ما من شأنه دعم العلاقات ودفعها إلى مزيد من الخير والنماء لصالح البلدين الشقيقين.