تحليل الواقع الإعلامي لمواضيع التعليم العالي (2 من 2)
من ناحية الحراك الميداني فمشاريع التعليم العالي الإنشائية والتطويرية احتلت في عام 2009 صفحات عدة بتغطية خبرية أو إعلانية، وبالتالي كتب عنها 1427 مقالا وخبرا، في حين أن في عام 2011 لم تزد في التغطية على 282 مقالا في الصحف السعودية كافة. هذا يدل على أن هناك زخما إعلاميا من بداية الإعلان عن افتتاح جامعات في المناطق المختلفة ومن ثم إنشاء المدن الجامعية وتطوير وترميم المباني في الجامعات القائمة. هذه النقلة النوعية في الاهتمام بالتعليم العالي إنشائيا لم تترك للكتاب والأقلام الوطنية إلا تناول الموضوع تخطيطيا ومعماريا وبيئيا واقتصاديا وفي كثير من مجالات الحياة الأخرى.
كما هو معروف، خدمة المجتمع استمالت الكثير للحديث عنها خلال السنوات الثماني الماضية. المواضيع التي تتعلق بدور التعليم العالي في خدمة المجتمع أو كيف يمكن أن يسهم في ذلك تم حصرها ابتداء من عام 2009-2011؛ حيث أظهر الحصر أنه تم نشر 245 مادة في عام 2009، في حين بلغ عدد المقالات والأخبار التي غطت الموضوع 617 مادة في عام 2011. هذا التصاعد الملحوظ لم يكن مخططا له، وفي اعتقادي أنها إسهامات فردية، حيث لم يكن هناك توجه بالمعنى الصحيح وإلا كان يمكن أن يكون الوضع أكبر لو أن الصحف أوجدت لها عمودا يوميا أو أسبوعيا يصاحبه تقرير فيكون ذلك بمنزلة التخطيط المسبق للنشر عن المسؤولية الاجتماعية. واقعيا كان التعليم العالي حاضرا بعدد كليات خدمة المجتمع التي وصلت إلى 46 كلية تغطي مناطق المملكة الـ 13، حيث تؤكد المقارنة الرقمية وجود تخطيط ذي بعد يتطلع إلى مستقبل يفتح أسوار الجامعات على المجتمع ومن ثم ينقل الخريجين من مستوى إلى آخر يتناسب مع متطلبات التنمية، حبذا لو أن الإعلام أخذ هذا في الاعتبار.
بالحديث عن المواءمة مع متطلبات التنمية أو سوق العمل فقد تمت تغطية هذا الموضوع (بتواضع كبير) بتناول التوسع الكمي والنوعي للتعليم العالي في مناطق المملكة ومن ثم إعادة هيكلة العديد من الكليات وافتتاح العديد من الأقسام وتشكيل اللجان لاجتماع العمداء للتقرير في مصير المناهج والمقررات التي تصب وتؤدي إلى تخريج مؤهلين من ذوي المهارات الملائمة لمتطلبات التنمية فكرا وعملا. في هذا المجال كانت الإحصائيات تشير إلى أن في عام 2009 تم نشر 184 مادة، بينما نشرت 580 في عام 2011. ما لم أجده مركزا من مواضيع كان مثلا ''رفع المستوى المعياري للدراسة الجامعية''. قد يتبادر للذهن أن طرق مواضيع اختبارات القياس ورفع مستوى بعض الشهادات من دبلوم للبكالوريوس وتناول موضوع هيئة الاعتماد الأكاديمي، يمكن أن تجيب عن التساؤل، إلا أني أقصد ما إذا كانت هناك مبادرات قامت بها الوزارة أو الجامعات لرفع مستوى عضو هيئة التدريس ومواءمة المناهج مع متطلبات النقلة العلمية المنتظرة والمقررات لما تم الاتفاق على مناسبة محتواه لإكمال بناء المعرفة للطالب. من ناحية أخرى، تثقيف الطالب ليواجه المستقبل بعد تخرجه مسلحا بمعرفة تمكنه من التعايش والتكيف بشكل منطقي ومناسب. هذا الموضوع يحتل جزءا كبيرا من التفكير والعمل في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا واليابان ونحتاج إلى إثرائه محليا لتبادل المعرفة ونشره على المستوى الدولي لإحقاق الحق.
وأخيرا ما يثلج الصدر هو أن الأبحاث الممثلة في المؤتمرات والندوات واللقاءات وكراسي البحث سجلت في السنوات الثلاث ما لم يتوقعه قارئ أو فرد غير متخصص؛ حيث حُصرت أكثر من 22 ألف مادة تحريرية في الصحف كافة. هذا التحول الكبير في المفهوم والنظرة والتوجه أجده إنجازا في حد ذاته وإن كنت آمل في الحديث عنها بمزيد من العمق في الفحوى والتنظيم والأثر الاجتماعي والاقتصادي والفكري. هذا بالطبع يقودنا لأن نبدأ بالتركيز على الابتكارات التي بدأ الإعلام يغطي أخبارها أخيرا (باستحياء) فيما حققه أبناؤنا وبناتنا من إنجازات خارج المملكة لا بد أن تتابع باهتمام كبير.
من وجهة نظر شخصية ألاحظ أن تفاعل المجتمع والصحافة مع هذا التوسع في التعليم العالي (سواء كان خبرا أو بالنقد أو توجيه الاهتمام أو المناقشة)، يعكس إيجابية كبيرة تنتهي بقول ''شكرا قيادتنا الحكيمة''. للتدليل على ذلك ما نقل عن التأقلم والتكيف مع التغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية والصحية في العالم وكيف أنه ضرب كثيرا من دول العالم لعدم الاستطاعة على مواجهة التقلبات، إلا أن السعودية وضعت أمام التحدي الكبير نفسه الذي فرضته السوق العالمية والعولمة وما كان منها إلا شحذ الهمم بوضع الإمكانات كافة (مادية وبشرية ومكانية) لتذليل الصعاب والخروج من عنق الزجاجة بفوائد تعود على أبناء الوطن وهو قلما تخرج منه دولة تمر بالظروف نفسها. في اعتقادي أن هذا سيقلص كثيرا حجم أي تأثير سلبي مستقبلي كما هو معتاد مواجهته في أي عمل يتم تحت ضغوط كبيرة.
بعد هذه القراءة الأولية أصبحت المهمة أكبر، ويبدو أن الإعلاميين في جميع الوسائل الإعلامية سيبدأون بالتواصل مع الجامعات والوزارة ومرافقها المختلفة بشكل مختلف، وستكون الملحقيات الثقافية محط الاهتمام، لأنه لا بد أن تسجل وتقيم هذه النقلات النوعية بكل أمانة وصدق، وتقدم للمجتمع ليعرف عن قرب حجم ونوع الحراك الهائل في هذا القطاع المهم الذي يبشر بخير كثير. والله المستعان.