أنا.. حر!
كثيراً ما يردّد البعض هذه الكلمة حين يصل إلى مرحلة من الصعب أن يقنع فيها الطرف الآخر برأيه، ولذلك حين يقول لك أحدهم: "أنا حر" فاعلم أنه يود إخبارك بأنه يرغب في إنهاء الحوار؛ فكن لبقاً وانسحب بهدوء وبكرامتك!
لكن فعلاً هل كل إنسان "حر" يفعل ما يشاء، وما مفهوم الحرية الحقيقية؟!
الحرية شيءٌ مقدّسٌ في ديننا الإسلامي، فأن تكون حراً فذلك يعني تحرُّرك من قيود الشيطان وهوى النفس ووحل المعصية؛ لتنطلق حراً كالطير في هذا العالم الجميل!
الحرية أن تكون كائناً مستقلاً؛ ليس من حق أحد أن يستعبدك ولا يستأجر عقلك أو يهين إنسانيتك، فعمر بن الخطاب ـــ رضي الله عنه ـــ قال مقولته الشهيرة لابن عمرو بن العاص "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!"،
لذا فالحرية ليست مناهج أكاديمية أو سلوكيات نتعلمها في دورة تدريبية أو قاعة تعليمية وإنما هي نزعة فطرية تولد معنا ودونها لن تكون لنا قيمة في الحياة.. وهذا ما فعلته روزا باركس تلك المرأة الزنجية التي رفضت عام 1955 أن تترك مقعدها في الحافلة لرجل أبيض، وكان موقفها هذا سبباً في إلغاء قوانين التمييز العنصري في أمريكا فيما بعد، وفي حديث لها عام 1992 قالت السيدة باركس عن احتجاجها الشهير: "السبب الحقيقي وراء عدم وقوفي في الحافلة وتركي مقعدي هو أنني شعرت بأن لديَّ الحق أن أعامل كأي راكب آخر على متن الحافلة، فقد عانينا تلك المعاملة غير العادلة سنوات طويلة".
ولكن هل للحرية حدود أم أنها مطلقة؟!
الحرية يحب ألا تتعارض مع القيم الدينية للمجتمع وإلا أصبحت حرية زائفة، كما حدث مع شباب الأيمو والبويات، الذين اعتقدوا أن الحرية الشخصية تكفل لهم العمل بما يعتقدونه، ولكن قرارَيْ وزارة التعليم العالي ووزارة التربية أثبتا أن للحرية حدوداً؛ لذا يخطئ البعض حين يصنع من الحرية رؤية هلامية لا حدود لها ولا يسمح لعينيه أن تبصر الحقيقة من خلالها!
كما أن الحرية يجب أن تحترم ملكيات الآخرين وأعراضهم وحدودهم، ومن أجل ذلك أُنشئت المحاكم والسجون لأولئك الأشخاص الذين اعتقدوا في لحظة ما أن من حقهم ممارسة حريتهم كيفما شاءوا!
والحرية الفردية يجب ألا تتعارض مع الحقوق المجتمعية وإلا أصبح هناك خللٌ يقتضي المحاسبة، فأنت كإنسان حر من حقك أن تعبّر عن رأيك وفكرك، ولكن ذلك لا يعني أن تنقص من احترام الآخرين أو تقلل من شأنهم أو تتهجم عليهم بما لا يليق من الأقوال والصفات..!
وهل تعلم أنك حين تتناول الطعام مع الآخرين في صحن واحد وتمتد يدك إلى أماكنهم أنك مارست حريتك بشكل خاطئ منفر؟.. عن عمر بن أبي سلمة ـــ رضي الله عنه ـــ قال: كنت غلاماً في حجر رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ فكانت يدي تطيش في الصفحة، "فقال لي يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك".
إذن مفهوم الحرية مفهوم أوسع وأعمق وأشمل مما يظنه بعض الذين يحصرونه فقط في الأمور السطحية التي لا تخدم تقدم المجتمع ورقيه الحضاري!