رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


خريطة الموجودات الاحتياطية المالية السعودية

يسمى الكشف الإحصائي الذي يوضح رصيد اقتصاد ما من الموجودات والمطلوبات المالية الخارجية في تاريخ معين، كشف ''وضع الاستثمار الدولي''. يعتبر هذا الكشف نتاج المعاملات المالية الخارجية للاقتصاد المقيّمة حسب أسعار الأسواق المالية وأسعار الصرف الجارية. ويسمى الفرق بين رصيد الموجودات المالية الخارجية والمطلوبات المالية الخارجية ''وضع الاستثمار الدولي الصافي''. وقد يكون هذا الصافي سالباً أو موجباً حسب حجم الموجودات والمطلوبات المالية الخارجية في التاريخ المعين. أما صافي ثروة الاقتصاد فتتكون من صافي وضع الاستثمار الدولي ورصيد الاقتصاد من الأصول غير المالية داخل الاقتصاد المحلي.
هذا مختصر نظري اقتبسته بتصرف من تقرير بعنوان ''وضع الاستثمار الدولي للمملكة'' نشرته للمرة الأولى مؤسسة النقد العربي السعودي مطلع هذا الأسبوع في سابقة غير معهودة. قدّم التقرير بعض التعاريف والمصطلحات ذات العلاقة بمنهجية وضع الاستثمار الدولي في المملكة، والكشف الإحصائي لأرصدة المملكة من الموجودات والمطلوبات المالية الخارجية للأعوام الأربعة 2007-2010، وتحليلا مختصرا لتطورات أحجام وكميات الأدوات المالية المختلفة التي تتألف منها موجودات المملكة المالية ومطلوباتها الخارجية خلال الفترة ذاتها.
وأوضح التقرير أن وضع الاستثمار الدولي في المملكة يتكون من ثلاثة مكونات رئيسة هي الموجودات المالية الخارجية، والمطلوبات المالية الخارجية، وصافي وضع الاستثمار الدولي. وقسّم التقرير الأدوات المالية المختلفة التي تتألف منها هذه الموجودات والمطلوبات المالية حسب نوع الاستثمار إلى استثمار مباشر، واستثمارات حافظة، وموجودات احتياطية، واستثمارات أخرى. يمثّل النوع الأول، ''الاستثمار المباشر''، الاستثمارات الدائمة، سواءً سعودية في الخارج أو غير سعودية في الداخل، التي لا يقل حجمها عن 10 في المائة من إجمالي رأسمال الاستثمار. ويمثّل النوع الثاني، ''استثمارات الحافظة''، ذات الاستثمارات في النوع الأول، سواءً سعودية في الخارج أو غير سعودية في الداخل، لكنها تقل عن 10 في المائة من إجمالي رأسمال الاستثمار. ويمثّل النوع الثالث، ''الموجودات الاحتياطية''، الموجودات المالية الواقعة تحت تصرف مؤسسة النقد والخاضعة لسيطرتها لتلبية الاحتياجات التمويلية لميزان المدفوعات، أو التدخل في أسواق الصرف للتأثير في سعر صرف الريال السعودي، أو للمحافظة على الثقة بالريال السعودي، أو أي عملية أخرى ذات علاقة. ويمثّل النوع الرابع، ''الاستثمارات الأخرى''، جميع الأدوات المالية التي لا تندرج تحت الأنواع الثلاثة أعلاه.
تقودنا هذه القراءة السريعة في تقرير ''وضع الاستثمار الدولي للمملكة'' إلى النظر في التجربة المكسيكية في التعامل مع الاستثمارات الدولية وكيفية السعي نحو المحافظة على سلامة اقتصادها. الهدف من هذه القراءة هي محاولة المساهمة في إجراء المقارنة البينية بين الاقتصاد السعودي ومثيله المكسيكي في التعامل مع الاستثمارات الدولية مع الأخذ في عين الاعتبار التباين بين مقومات كلا الاقتصادين وكذلك مؤشراتهما الكلية.
شهدت المكسيك نهاية الثمانينيات الميلادية نهضة اقتصادية عمت معظم جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية. عزيت أسباب النهضة إلى مجموعة من السياسات الاقتصادية والمالية التي وضعتها الحكومة المكسيكية قيد التنفيذ منذ منتصف الثمانينيات الميلادية. ألقت هذه النهضة الاقتصادية بظلالها على متانة الاقتصاد المكسيكي بداية التسعينيات الميلادية محققة العديد من الإنجازات الاقتصادية، بدءا من السيطرة على معدل التضخم وتخفيض معدل البطالة، مروراً بنمو حجم الصادرات، وصولاً إلى نمو اقتصادي في معظم قطاعات الإنتاج الرئيسة.
شجعت هذه الإنجازات الاقتصادية الحكومة المكسيكية على التوسع في فتح الباب أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة للاستثمار في أفرع الاقتصاد المكسيكي المختلفة ولتحقيق هدفين رئيسين. الأول توطين عائدات هذه الاستثمارات في الاقتصاد المكسيكي على المدى البعيد كداعم رئيس لاستدامة النمو الاقتصادي. والثاني توجيه هذه الاستثمارات لمواجهة تحدي العجز المستمر في الحساب الجاري وميزان المدفوعات المكسيكي على الرغم من جهود الحكومة المكسيكية في الموازنة بين حجم الصادرات والواردات مع اقتصادات العالم المختلفة.
تجاوبت الاستثمارات الأجنبية المباشرة مع جهود الحكومة المكسيكية بزيادة مدة تدفقها إلى الاقتصاد المكسيكي حتى وصلت نهاية 1993 إلى قرابة 75 مليار دولار أمريكي، واضعة الاقتصاد المكسيكي على قمة تنافسية الاقتصادات الناشئة في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كللت هذه الإنجازات الاقتصادية نهاية 1992 بتوقيع المكسيك على اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة وكندا في اتفاقية ''نافتا'' الاقتصادية. لم ينعم الاقتصاد المكسيكي كثيراً بعد توقيع الاتفاقية بسبب حدوث تطورات محلية ودولية لم تكن بالحسبان. محليا ظهور أعمال عنف جنوبي البلاد على هامش انتخابات الرئاسة المكسيكية، ودولياً رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي معدلات الفائدة، فانخفضت أسعار السندات الأمريكية وتراجع الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي. انعكست هذه التطورات المحلية والدولية بالسلب على جاذبية الاقتصاد المكسيكي للاستثمارات الأجنبية المباشرة وبدأت بالهجرة خارج البلاد بعد ازدياد معدلات الخطورة وتراجع عائداتها المتوقعة.
تدخلت الحكومة المكسيكية في الأمر للمساهمة في الحد من الانعكاسات السلبية للخروج المفاجئ لهذه الاستثمارات وللمحافظة على مستوى ارتباط العملة الوطنية المكسيكية ''بيسو'' بالدولار الأمريكي عند مستوى 3.5 بيسو. فبدأت الحكومة المكسيكية بالاعتماد على موجوداتها الاحتياطية لشراء الكميات المعروضة من البيسو المكسيكي في أسواق العملات العالمية. كان مستوى احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي المكسيكي متواضعاً لدرجة عدم السماح بالاستمرار في عملية الحماية والارتباط والدعم للبيسو المكسيكي.
أسهمت جميع هذه التطورات في وضع نهاية النهضة الاقتصادية المكسيكية نهاية 1994 عندما أعلن البنك المركزي المكسيكي فك ارتباط البيسو المكسيكي بالدولار الأمريكي وبالتالي تعويمه مقابل العملات العالمية الأخرى. تجاوب البيسو المكسيكي سريعاً مع فك الارتباط فانخفض على المدى القصير قرابة 40 في المائة من قيمته إبان فترة الارتباط ولتنتهي مع هذا الانخفاض نهضة اقتصادية استمرت قرابة عقد من الزمن وتبدأ رحلة إصلاح اقتصادي استمرت حتى اليوم.
عديدة هي الفوائد عندما ننظر إلى وضع الاستثمار الدولي للمملكة من منظور التجربة المكسيكية. فوائد تدور حول أهمية الموازنة في تنويع الأدوات المالية في كل من الموجودات والمطلوبات المالية. يشير تقرير ''وضع الاستثمار الدولي للمملكة'' إلى أن أنواع الأوراق المالية المكونة للموجودات الاحتياطية للمملكة تتكون من الذهب النقدي، وحقوق السحب الخاصة، ووضع الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، ونقد أجنبي وودائع في الخارج، واستثمارات في أوراق مالية في الخارج.
كما تشير نشرة مؤسسة النقد الإحصائية الشهرية لآذار (مارس) 2012 إلى معدل أوزان هذه الأوراق المالية المختلفة خلال الفترة 2007 ـــ2011. حيث تمثل استثمارات الأوراق المالية في الخارج النسبة الأكبر من الاحتياطي (69.87 في المائة)، فالنقد الأجنبي والودائع في الخارج (29.09 في المائة)، فحقوق السحب الخاصة (1.47 في المائة)، فوضع الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي (0.48 في المائة)، وأخيراً الذهب النقدي (0.08 في المائة). من الملاحظات في هذا الشأن عند المقارنة، إحصاءات النشرة للربع الأول من 2012، والتوجه نحو تعديل معدل أوزان هذه الأوراق المالية المختلفة خلال الفترة 2007-2011 بما يتوافق ومتطلبات العملية السعودية. حيث شهد كل من وزن النقد الأجنبي والودائع في الخارج، وكذلك وضع الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي خلال الربع الأول من 2012؛ نمواً تعدى المعدل السنوي خلال الفترة 2007 ـــ 2011 (29.54 و 1.78 في المائة على التوالي) في الوقت الذي تراجع فيه وزن استثمارات الأوراق المالية في الخارج عن المعدل السنوي خلال الفترة ذاتها (67.71 في المائة). شهدت حقوق السحب الخاصة نمواً منذ مطلع العام الحالي مقارنة بالمعدل السنوي خلال ذات الفترة (1.78 في المائة) في إشارة للتوجه نحو دعم القدرة التفاوضية للمملكة.
تطورات توزيع الموجودات المالية الاحتياطية للمملكة تطورات إيجابية نحو إعادة ترتيب الاستثمارات الدولية بما يتماشى ومتطلبات المرحلة المقبلة للعملية التنموية السعودية. طورت مؤسسة النقد خطتها أخيرا بنشر تقرير ''وضع الاستثمار الدولي للمملكة'' في خطوة إيجابية غير مستغربة نحو دعم مبادئ الإفصاح والشفافية والإعلان عن الإحصاءات الحقيقية أمام التقارير والإحصاءات الدولية من مصدرها الرئيس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي