بعد الكارثة النووية.. محطات توليد الطاقة تعود إلى النفط

في 11 آذار (مارس) من العام الماضي تعرضت مناطق شمال شرقي اليابان لزلزال عنيف بقوة 8.9 درجة ووصلت موجات المد البحري التسونامي إلى ارتفاع ثلاثة أمتار، حيث اجتاحت تأثيراتها السواحل. تسببت الهزة الأرضية بضرب مجمع فوكوشيما Daiichi النووي لتوليد الطاقة، كان يومها المفاعلات 1 و2 و3 في وضع تشغيلي إلا أنها توقفت عن العمل أوتوماتيكيا بفضل نظام الطوارئ في المحطة، بينما المفاعلات 4 و5 و6 كانت متوقفة عن العمل أصلا لأغراض الفحص الدوري. أدت الهزة الأرضية إلى إغلاق ست مصافي يابانية لتكرير النفط بطاقة إجمالية تقدر بنحو 1.4 مليون برميل يوميا من النفط الخام.
ما زالت تداعيات الزلزال تؤثر على أنظمة توليد الطاقة الكهربائية في اليابان بعد مرور أكثر من عام على الحادث. حتى بداية نيسان (أبريل) من العام الحالي كان هناك فقط محطتان نوويتان تعملان في اليابان من أصل 54 محطة للطاقة النووية، من المتوقع أن يتم إغلاق تلك المحطتين أيضا في وقت قريب جدا، بذلك يفقد ثالث اقتصاد في العالم نحو ثلث طاقته التوليدية من الكهرباء التي كانت متوافرة قبل الزلزال.
بعد مرور أكثر من عام على أسوأ كارثة نووية في تاريخ اليابان، تجد شركات توليد الطاقة الكهربائية نفسها مضطرة بشكل متزايد للاعتماد على النفط وبعض الخيارات القليلة الأخرى لتلبية حاجة البلد من الطاقة. على افتراض بقاء المحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية متوقفة عن العمل حتى فصل الصيف، احتمالية هذا الافتراض تبدو عالية جدا في الوقت الحاضر، فإن الطلب على النفط في قطاع توليد الطاقة الكهربائية من المتوقع أن يتجاوز 0.75 مليون برميل في اليوم في المتوسط خلال الـ 12 شهرا القادمة، هذا يمثل قفزة في استهلاك النفط في اليابان تقدر بنحو 55 في المائة مقارنة بالفترة الممتدة بين نيسان (أبريل) 2011 وآذار (مارس) 2012 التي هي أصلا تعتبر مرتفعة.
مع التوقف الكامل لمحطات توليد الطاقة النووية التي تشكل نحو 30 في المائة من الطاقة التوليدية للكهرباء في اليابان مع ارتفاع واردات الغاز الطبيعي المسال بصورة كبيرة ووصول محطات استلام وإعادة الغاز Regasification إلى طاقتها القصوى، تجد اليابان نفسها مضطرة للجوء إلى خيار النفط الأكثر تكلفة. إذا لم يتم إعادة تشغيل المحطات النووية في هذا الصيف، ستجد اليابان نفسها بحاجة لاستيراد أكثر من 125 ألف برميل في اليوم إضافية من النفط الخام للحرق المباشر أو استيراد أو إنتاج نحو 150 ألف برميل في اليوم إضافي من زيت الوقود منخفض الكبريت على مدى الأشهر الـ 12 المقبلة، وفقا لمعهد اقتصاديات الطاقة في اليابان IEEJ. في حين ترسم مصادر أخرى صورة أكثر تشاؤما عن الوضع، حيث يتوقعون أنه حتى في حالة إعادة تشغيل ست وحدات نووية بحلول فصل الصيف، فإن اليابان ستستمر بحاجة إلى حرق نحو 800 ألف برميل من النفط يوميا لتوليد الطاقة الكهربائية في ذروة الطلب خلال أشهر الصيف تموز (يوليو) وآب (أغسطس). في الوقت الحالي تدرس الحكومة اليابانية إمكانية إعادة تشغيل وحدتين نووية فقط، لكنها لم تتوصل حتى الآن إلى أي قرار في هذا الشأن.
لقد ارتفعت بالفعل واردات النفط الخام اليابانية بشكل حاد لأغراض توليد الطاقة الكهربائية، حيث وصلت إلى نحو 420 ألف برميل في اليوم في المتوسط في السنة التي تلت بداية حالة الطوارئ بعد حادثة فوكوشيما النووية، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الكمية التي استوردت في الأشهر الـ 12 السابقة للحادثة، استنادا إلى بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية. لقد قفزت بالفعل واردات النفط الخام المستخدم للحرق المباشر من 80 ألف برميل في اليوم إلى أكثر من 270 ألف برميل في اليوم خلال تلك الفترة، في حين أن واردات زيت الوقود قفزت من 52 ألف برميل في اليوم إلى نحو 150 ألف برميل في اليوم.
مع عدم وجود مصادر محلية للوقود الأحفوري في اليابان لتحل محل الطاقة النووية، تجد اليابان نفسها تعتمد أكثر من أي وقت مضى وبشكل كبير على واردات النفط والغاز الطبيعي المسال الباهظة الثمن. لكن هذا هو ليس التحدي الوحيد الذي يجابه إمدادات الطاقة في اليابان في الوقت الحاضر، حيث تجابه اليابان أيضا خطر تعثر وصول الإمدادات ذلك أن نحو 70 في المائة من وارداتها من النفط الخام تمر عبر مضيق هرمز. إذا ما تصاعد الصراع بين الدول الغربية وإيران بشأن برنامجها النووي إلى درجة تعطيل شحنات النفط من الشرق الأوسط، فإن هذا سيشكل ضربة أخرى للاقتصاد الياباني المتعثر أصلا.
لقد كان لحادثة فوكوشيما بعض التأثير أيضا على المصادر التي تعتمد عليها اليابان لتوريد احتياجاتها من النفط الخام. ما زالت اليابان توفر الغالبية العظمى من احتياجاتها من النفط الخام عن طريق وارداتها من منطقة الشرق الأوسط وأبرزها من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. لكن اليابان تقوم الآن أيضا بشراء كميات أكثر من النفط الحلو (واطئ الكبريت) المتوسط والثقيل من المنتجين في منطقة آسيا-المحيط الهادئ ومن السودان وجنوب السودان، وتقوم بشراء كميات أقل من النفط الخفيف الحلو من روسيا. في السنة التي تلت حادثة فوكوشيما، قفزت واردات اليابان من النفط الخام القادم من آسيا ـ المحيط الهادئ بنسبة 50 في المائة مقارنة بالسنة التي سبقتها وقفزت وارداتها من إفريقيا بنسبة 70 في المائة. هذا يعكس تزايد شراء النفط الخام الحلو المتوسط والثقيل من إندونيسيا وفيتنام ومزيج النيل ومزيج دار من السودان وجنوب السودان، لكن هذه الخامات لم تعد متوفرة الآن بسبب تصاعد الخلاف بين جوبا والخرطوم. وتحولت اليابان أيضا على نحو متزايد إلى استيراد النفط من الغابون.
في الوقت الراهن تأمل اليابان أن تتمكن من تدابير كفاءة وترشيد استهلاك الطاقة، التي مكنتها من تخطي النقص الكبير في الطاقة في الصيف الماضي، من تخطي الأزمة القادمة أيضا وبأقل الخسائر. لكن السؤال الأكبر هو كيف سوف تتمكن اليابان من إعادة بناء الثقة اللازمة بالمؤسسات الخاصة والعامة في الوقت الذي ترسم فيه مسارا جديدا لمزيج الطاقة في المستقبل، بالإضافة إلى تصديها لعقود طويلة من جهود تنظيف الإشعاع بعد حادثة فوكوشيما Daiichi.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي