الدور المأمول.. وزارة التخطيط
كنت أتناقش مع أحد الأصدقاء (مسؤول سابق) حول الاستعانة بأحد المكاتب الدولية الاستشارية المعروفة لعمل دراسة معينة، وأخذنا النقاش بعيدا عن الفكرة الأساسية للموضوع وليس المضمون، حيث قال لي: عندما كنت على رأس العمل صرفت الجهة التي أعمل فيها مبالغ طائلة تقدر بملايين الريالات على دراسات استشارية مختلفة، وبالذات على بناء استراتيجيات أو تطوير استراتيجيات، ولم يكتف صديقنا بذلك وإنما أردف قائلا: إن هناك جهات عدة تعمل على الجانب نفسه، حيث اطلع صديقنا على دراسات مماثلة في بعض الجهات، وكيف أن معظم المسؤولين الجدد عندما يتولون مناصبهم يستعينون بهذه المكاتب لبناء استراتيجيات جديدة حسب رؤيتهم وتصورهم وربما لا ترتبط أو تتكامل أهدافها بجهات أخرى ذات علاقة بمخرجاتها.
وتبادلنا الحديث في هذا الجانب طويلا، إذ إنه من خلال ممارستي لمثل هذه الجوانب وخبرتي الشخصية فيها، شاركت أو اطلعت كذلك على بعض من هذه الدراسات والاستراتيجيات التي صرفت عليها مبالغ كبيرة، ولكن المحزن في الأمر أن معظم هذه الدراسات والاستراتيجيات تذهب في نهاية المطاف إلى سلة المهملات وتذهب المبالغ التي صرفت من أجلها إدراج الرياح.
من وجهة نظري، إن القيام بالدراسات والاستراتيجيات أمر مهم ويساعد في التطور والنمو، ولكن الأهم من ذلك يتمثل في تطبيق مثل هذه الدراسات على أرض الواقع، لذا أعتقد أن هناك حلا واحدا لعلاج هذا الجانب من خلال بناء استراتيجية متكاملة لجميع الجهات في المملكة عن طريق الاستعانة المشتركة مع الاستشاريين الدوليين والقطاع الخاص ومؤسسات الدولة والمؤسسات الشبه حكومية، أو بمعنى آخر خطة متكاملة طويلة المدى بمعايير يمكن قياس تطورها كل فترة (لنقل ثلاث سنوات) وذلك كي تواكب أي مستحدثات أو عوائق تقوم كل جهة بالعمل على تنفيذها ضمن إطارها العام، وتسند هذه الخطة لجهة واحدة فقط، وهي وزارة التخطيط، كي تقوم بالدور الذي أنشئت من أجله، وهو التخطيط وبناء الاستراتيجيات الفعلية التي تصب في تنمية وتطوير البلاد ومواكبتها العالمية في شتى المجالات، ولنا في الهيئة العامة للتخطيط في دولة ماليزيا وآلياتها مثال جيد على ما تقوم به في هذا المجال.
إن إناطة هذا الدور بوزارة التخطيط لدينا، يسهل متابعة جميع الدراسات والاستراتيجيات التي تقوم بها الجهات المعنية أو وزارة التخطيط نفسها، ومن ثم مراقبة تنفيذ هذه الدراسات وتقييم الاستفادة منها، كذلك ستكون وزارة التخطيط هي المرجعية الأولى لجميع الدراسات والاستراتيجيات وإن اختلفت توجهاتها، بمعنى أنه لا بد على أي جهة في حال نيتها القيام بدراسة أو استراتيجية أن ترفع بمقترحها إلى وزارة التخطيط، ومن ثم تقوم الوزارة بمنح الموافقة عليها أو رفضها، وفق آليات واضحة وشفافة، كما تقوم الوزارة بعد ذلك بمتابعة وتقييم الاستراتيجية أو الدراسة ومدى تطبيقها على أرض الواقع واستفادة الوطن منها، وقبل ذلك وبعد ذلك يكون لدينا Saudi Business Plan، وكل ذلك من أجل المحافظة على المال العام والحفاظ على الوقت والجهد، والمهم أن يكون لدينا كوطن أهداف محددة نطمح ونعمل على تحقيقها تكون مترابطة ومتكاملة، فما الفائدة من دراسات واستراتيجيات تبقى حبيسة الأدراج لفترة من الزمن وبعدها تذهب إلى سلة المهملات وكأنه لم تكن هناك أي دراسة أو استراتيجية.