عليكِ السلام يا سورية حتى إشعار آخر!
لقد أصبحت الكتابة عن الوضع السوري المتدهور مملة، ولا جديد على الساحة الملطخة بدماء الضحايا من أبناء الشعب المغلوبين على أمرهم. ولكن هذا الأمر بالذات هو ما يدفع المرء لأن يُعيد الحديث عما يجري، وما هو صائر في سورية الجريحة. كنت، كأي إنسان متابع، أشاهد وأستمع إلى نهاية المداولات في مجلس الأمن حول القضية السورية. لقد هالني ما سمعت من المندوبين الدائمين الذين كان معظمهم في أثناء إلقاء كلماتهم ''يجترون'' كلامًا نصفه حشو لا قيمة له، وعبارات إنشائية لا تتناسب مع خطورة الوضع الذي كانوا يتحدثون عنه. وكان الواحد منهم يتكلم بزهو ظاهر وكأنه الوحيد المتحدث في الجلسة، وينسى أنها أسطوانة ممجوجة يُعيدها كل فرد أتى عليه الدور. وقبل أن ينتهي المشهد، ظهر علينا أحد أفراد البشر، ولا أقول بني الإنسان، منتفخ الأوداج ويتحدث بكبرياء وفخر وعلى وجهه ابتسامة صفراء، ليعبر عن النصر الذي حققته بلاده على أعدائها الذين لا يضمرون في رأيه خيرًا لسورية. إنه المندوب السوري، بشار الجعفري، الذي لم يترك فرصة دون أن يصب جام غضبه على بعض الدول العربية التي تُحاول جاهدة إنقاذ الشعب السوري من مقصلة بشار الأسد وإعلام - سيئ الذكر - وليد المعلم.
وكانت المناسبة عقد مجلس الأمن جلسة خاصة حول إرسال مزيد من المراقبين الدوليين إلى البلاد السورية المنكوبة. فتمخض ''المجلس الأممي'' وولد فأرًا. لقد استطاع بالإجماع أن يقرر إرسال ثلاثمائة مراقب مُسلحين بقبعات الأمم المتحدة ذات اللون الأزرق المتميز. فهنيئًا لك يا شعب سورية بهذا الإنجاز الأممي، وما عليكم اليوم أيها المناضلون إلا أن تقطعوا الأمل الذي طالما كان يراودكم وتحلمون به بوصول مساعدات إنسانية وعسكرية تُجابهون بها هذا العدوان الأحمق الذي لم تشهد الإنسانية أبشع ولا أشد بطشًا من ولي أمر ضد المسنين والنساء والأطفال من بني جلدته ومحكوميه. والمصيبة أنك تجد أن معظم أعضاء مجلس الأمن الذين صادقوا على القرار، الذي ضرره أكبر من نفعه، خرجوا من قاعة الاجتماع وكأنهم قد حلوا، ليس فقط الحالة السورية، بل جميع مشاكلنا الكونية. ولم يدر بخلدهم أنهم إنما ضاعفوا إضرام النار المشتعلة في سورية منذ أكثر من عام، وتسببت في قتل عشرات الألوف العُزَّل من أبناء الشعب المطالبين بالحرية والكرامة. والمرء يحار، ليس من سكوت الساكتين، بل من الذين يبذلون جهودًا مصطنعة لإقناع الأسد يوقف العنف، ونحن نعلم علم اليقين أن بشار ونظامه لم ولن يُغير من خططه القمعية قيد أنملة حتى يُوقَف عند حده بقوة السلاح ولا غير ذلك. فلماذا تضييع الوقت؟ وكلما عُرض عليه خطة جديدة رحب بها وبدأ يفاوض ويراوغ من أجل كسب الوقت، والنهاية عودة على بدء، في الوقت الذي لا تتوقف آلته الحربية عن قتل أبناء الشعب وهدم بيوتهم وممتلكاتهم. والعالم، الراضي منهم والغاضب يتفرجون. ومن المستغرب أننا لا نسمع صوتًا، ولا حتى وشوشة، تصدر عن مجالس حقوق الإنسان التي ملأت الدنيا بتقاريرها الدورية حول التعدي على حقوق فرد من مجتمع أو ظلم يقع على فئة أو طائفة معينة، حول ما يدور اليوم في سورية وتنقله وسائل الإعلام على الهواء مباشرة. وهل على الشعب السوري أن يستنجد بجمعيات الرفق بالحيوان لعلهم يكونون أكثر شهامة؟
ويتساءل المرء، منْ المنتصر بعد صدور القرار الأخير من مجلس الأمن الخالي من أي معنى أو قيمة، إذا استثنينا أركان نظام بشار وقادة حزب البعث؟ يأتي على رأس القائمة الحكومة الروسية التي ترى أنه ليس من صالحها ولا مصلحتها أن تتحول سورية إلى نظام غير استبدادي. فهي، إلى جانب مصالحها الاقتصادية التي سوف لا محالة تفقدها، تخشى أيضا أن تتغير خريطة الشرق الأوسط لغير ما تريد. ثم هناك خوفها من قيام الدويلات الإسلامية التي بجانبها وتسيطر على نظمها أن تتجه نحو الانفصال عنها، وهو أمر وارد. والروس يدركون أن فقدان النظام السوري الحالي لصالح الحراك الشعبي الذي حاربوه بكل ما أوتوا من قوة، هو جرح لكبريائهم الهش. أما الطرف الثاني المبتهج، فهو الحاضر الغائب، الحكومة الإسرائيلية؛ لأنها وبكل بساطة لا تريد لحامي حدودها الشمالية أن يزولَ أو يُزال. فقد تعايش النظام السوري مع النظام الصهيوني في إسرائيل خلال حكم حافظ الأسد ثم حافظ عليه بشار وبكل أمانة وإخلاص إلى يومنا هذا.
وهناك منْ هم ربما أقل حماسًا لبقاء الأسد، ولكنهم يفضلونه على غيره، خوفًا من أن يأتي بعده حكم يكون أقل طائفية وانحيازًا إلى فئة ضد أخرى. وعلى رأس هذه المجموعة إيران التي تحاول بكل جهدها أن تكون قوة فاعلة ومؤثرة في المنطقة. وهي تعلم أن أي تغيير جوهري في نظام الحكم في سورية لصالح حكم ديمقراطي حر سيعمل على قلب خريطة الشرق الأوسط رأسًا على عقب. أما أغرب ارتباط متناقض بنظام بشار الأسد، فهو التحالف المضحك مع الحكومة العراقية. ووجه التناقض أن الحكومة العراقية الحالية قائمة على أساس محاربة أعضاء حزب البعث العراقي الذي كان قائمًا في زمن صدام حسين. ومن حقهم ألا يقبلوا في العراق بعودة أي من رموز الحكم السابق، ولكن أن يُحالفوا حكمًا بعثيًّا مستبدًّا في سورية أكثر سوءًا من شقيقه حزب البعث العراقي، فهذا ما لا يقبله العقل ولا يستسيغه المنطق والذوق السليم. وللناس فيما يعشقون مذاهب!!