رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


فرنسا وفرانكفورت.. والأسواق المالية

على مدى العامين الماضيين، سلطت الأسواق المالية الضوء على سلسلة من البلدان ــ اليونان وأيرلندا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا ـــــ فحولت كلا منها إلى مركز زلزال مالي أوروبي يبدو بلا نهاية. لكن الساسة كانوا يدركون دوماً أن جوهر المشروع الأوروبي يكمن في العلاقة بين فرنسا وألمانيا. تُرى هل أصبحت هذه العلاقة الآن في خطر؟
وهناك حجة سقوط أحجار الدومينو التي تشير إلى أن الأزمات التي تعانيها البلدان الواقعة على أطراف أوروبا ستخلف تأثيراً تراكمياً على القلب الفرنسي الألماني. فقد أصبحت فرنسا في أعقاب فقاعة العقارات وأسعار الأصول عُرضة لتركيبة من مشاكل القطاع المصرفي والتمويل العام نفسه. والواقع أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية أعطت صبغة سياسية للرابط بين أحجار الدومينو على أطراف أوروبا، وقلب أوروبا الفرنسي.
في حشده الانتخابي الأخير قبل الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وقف نيكولا ساركوزي أمام لافتة تقول ''فرانس فورت'' (فرنسا القوية). وفي نظر أغلب الحضور فإن ساركوزي كان يقصد ''فرنك فورت'' (الفرنك الفرنسي القوي) ــــ أي أن التعبير يتحول في النهاية إلى ''فرانكفورت''، المركزي المالي الألماني الذي يستضيف مقر البنك المركزي الأوروبي.
والواقع أن خطاب ساركوزي عزز هذه الرسالة. فإعادة انتخاب الرئيس وحدها القادرة على إنقاذ العملة القوية التي ضمنت الثروات والدخول الفرنسية. وسيعمل اليسار على افتعال انهيار للعملة وتكالب على الأوراق المالية الفرنسية على نحو يجلب أزمة اليورو من اليونان أو إسبانيا أو إيطاليا إلى قلب العملية الأوروبية، أو علاقة فرنسا بألمانيا.
والواقع أن أوجه التشابه بين الوقت الحاضر وعام 1981 وثيقة للغاية. ففي عام 1981، كان هناك إطار أوروبي لاستقرار العملة، أو النظام النقدي الأوروبي، الذي اعتبره ميتران مشروعاً شخصياً لمنافسه اليميني، الرئيس فاليري جيسكار ديستان. ولقد بدا من الواضح آنذاك في نظره الهجوم على العملة المستقرة كمشروع محافظ للإبقاء على أجور الطبقة العاملة منخفضة. وفي وسط حالة من الركود، بدا الأمر أيضاً وكأنه سبب البطالة في فرنسا.
في عام 2012، أصبحت مسألة إنقاذ اليورو مشخصة في هيئة رقصة تانجو بين ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهما الثنائي الذي أطلق عليه من قبيل السخرية وصف ''ماركوزي''. فقد اتخذا القرارات الحاسمة، وأصرا على استقرار الموازنة و''الحزمة السداسية'' التي يمقتها اليسار.
ولقد روع هذا الألمان، وخاصة المسؤولين الأقوياء في البنك المركزي الألماني الذي يتخذ من فرانكفورت مقراً له. فتم إرسال مسؤول مفوض لمواجهة مسؤولي البنك المركزي. فأوضح أن الإدارة النقدية في ألمانيا كانت ناجحة للغاية في الكفاح من أجل الاستقرار، وكانت النتيجة أنها أصبحت عرضة للمخاطر السياسية.
لقد أصبحت الأسواق المالية اليوم أكثر عدوانية مما كانت عليه في عام 1981. ولا يوجد أي احتمال لتوافر الحيز لتجربة تمتد لعامين. وستكون النتيجة فرض ضغوط مكثفة للغاية في المطالبة بتصميم سريع للمؤسسات الأوروبية، وما ينطوي عليه هذا من خطر افتقار النتيجة إلى المصداقية ــــ فبدلاً من الدوران للخلف قد نصل إلى طريق مسدود.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي