شكراً عمي «تويتر»!
حين قالت لي إحدى زميلاتي قبل عام مضى: لماذا لا نراك تغرّدين في "تويتر" فقد ظننتها تمزح بقولها هذا، ولكنها حين رأت شيئاً من "دلاختي" فقد بدأت شفقة بحالي في شرح المقصود بـ "التغريدة والفلو والفلورز والمنشن" إلى آخر هذه المسميات وحين ولجت "تويتر" لأول مرة كنت مثل تلميذة صغيرة تدلف من بوابة مدرسة لا تعرف فيها أحداً، فقد كنت أكتب التغريدة وأمسحها مرات عدة؛ لأنها كانت تتجاوز عدد الحروف المسموح بها، ويوماً بعد يوم أحببت "تويتر" حتى كاد أن ينسيني "الفيس بوك" وتذكّرت زوج الاثنتين، أعانه الله، حين يحاول العدل بينهما، كما كنت أحاول العدل بين هذين الموقعين، وإن كان "تويتر" يشدني إليه رغما عني..!!
في "تويتر" ستتعرّف على أناس يدعمونك ويساندونك ويقفون بجوارك؛ لأن قلوبهم تخبرهم بمدى صدقك وترشدهم حاستهم السادسة، لذلك فمعهم تطيب الأخوة في الله، فهم يفتقدونك حين تغيب ويسألون عنك حين تحزن، ويسعدون حين تسعد؛ فما أجمل "تويتر" بهم وما أسعدك برفقتهم!
وفي "تويتر" ستجد أناساً يرجمونك بتهمهم الباطلة ويصفونك بأقذع الصفات ويحكمون عليك بالويل والثبور وعظائم الأمور، ولو كان الأمر بيدهم لشنقوك وارتاحوا، فأعانك الله عليهم وكتب لك أجر الصبر عليهم، ونصيحتي إليك ضبط النفس، كما قال الإمام الشافعي، رحمه الله:
إذا سبنـي نـذل تزايـدت رفعـة
وما العيب إلا أن أكـون مساببه
ولو لم تكن نفسـي علـي عزيـزة
مكنتهـا من كـل نـذل تحاربـه
وفي "تويتر" ستجد مغرّدين متابعوهم بالآلاف لكن تغريداتهم مثل قصة الغراب الذي أراد أن يقلد مشية الحمامة فلم يقدر وأراد أن يعود لمشيته الأصلية فوجد أنه نساها، فهؤلاء هم الآن في مأزق كبير حقاً وأشفق على متابعيهم، فمجتمعنا ليس بحاجة لمن يضيع مشيته بقدر ما هو بحاجة لمن يعرف أين تقوده مشيته!!
وفي "تويتر" ستجد أناساً مغمورين جداً ومتابعوهم قليلون جداً، لكن لو تأملت في تغريداتهم لأيقنت أنك أمام حكماء ينثرون درراً ويسكبون جواهر، ولو كان أرسطو أو برنارد شو بين أظهرنا اليوم لتواريا خجلاً من تغريداتهم الأسطورية وحكمهم الحياتية، وهؤلاء أقول لهم: يوما ما سيلتفت إليكم العالم فلا تتوقفوا فصاحبكم أرسطو يقول (الحظوظ لها أوقات، فلا تعجل على ثمرة لم تكن تدرك، فإنك إن تنلها في أوانها تكن عذبة ولذيذة).
وفي "تويتر" حين تختلف مع أحدهم فسيشن عليك حرباً شعواء لا رحمة فيها تحت مسمى (هاشتاق) والفرق بينها وبين داحس والغبراء أن الثانية استمرت 40 عاماً، ولكن الأولى لن تستمر سوى 40 ساعة حتى يعلم القاصي والداني بصليل المعركة وتلاحم كلماتها وزفير حروفها، بل ربما حكموا عليك بالتكفير والخروج من الملة، بينما أنت تؤدي صلاة الجماعة في المسجد، لذلك كن هادئاً فأشجار البامبو تتمايل مع الرياح لكنها لا تنكسر، فتعلم أن تكبح جماح اندفاعك كما فعل صاحبنا المتنبي بمنتهى البرود حين قال:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأنـي كامل
لذلك بعد عام كامل من صحبتي لك أقول لك شكراً عمي "تويتر" فقد علّمتني الكثير وما زلت أتعلم منك!