تحليل الواقع الإعلامي لمواضيع التعليم العالي (1 من 2)
في كتيب حظيت بنسخة من عدده الثالث الذي صدر عن الإدارة العامة للعلاقات العامة والإعلام بوزارة التعليم العالي، وجدت جداول وأرقاما غطت الحركة الصحفية التي تناولت مواضيع تعلقت بالتعليم العالي كوزارة ومؤسسات تابعة لها خلال الأعوام من 2009-2011. بدراسة هذا الكتيب بعد قراءته وضح لي مدى أهمية النظرة العلمية لمثل هذه الأرقام، حيث تصور العلاقة بين الإعلام والجهود المبذولة في أي جهاز يقدم لهذا الوطن خدمات جليلة وذات أهمية قصوى، خصوصا في هذه المرحلة من النمو المتسارع في كل القطاعات التنموية. الأرقام، حينما تكون معروضة كما هي ومرتبطة بأسماء وتواريخ وأحداث وأشكال فإنها لا تفيد الجهتين أو الجانبين في النظرة المتعمقة في واقعهما، فقط بل إنها تمتد للقارئ الذي يقف على حقائق تجعله يفرق بين الواقع والتهويل، فيشارك بجدية في الرأي والإنجاز بما يخدم مصلحة الوطن.
لقد كان الجهد المبذول في حصر هذه التغطية ''الصحفية'' للتعليم العالي دليلا على الجدية والشفافية التي تبنتها الوزارة، وأرادت بكل تجرد إظهار الألوان المختلفة للمواضيع، حيث ظهر اللون القاتم مع الفاتح في الوقت نفسه، ووضح أن إنتاجا مثل هذا يستحق شكر المسؤولين في الوزارة الذين وقفوا وراء هذا الإنجاز وإنجازات الوزارة الحقيقية في الخدمات المختلفة التي سيرد ذكرها ببعض التفصيل والتحليل والتفسير في هذا المقال.
في البداية لا بد أن نقدر أن الوزارة تلقت صدمات وتحملت أعباء النقد الاجتماعي، بالرغم من أن ''التعليم العالي'' مظلة كبيرة كانت الوزارة محورا فقط، وانتشار الجامعات هو ما أظهر أن هذا هو التعليم العالي. هذا الواقع يحتاج إلى توضيح للعامة. من ناحية أخرى في العالم أجمع وخلال السنوات العشر الأخيرة تنامت رغبات مجتمعات وشعوب العالم للتوجه نحو التعليم العالي والحصول على شهادات أعلى وأرقى وفي تخصصات مهمة تساعد على تطوير وأداء الفرد وتحسين معيشته. هذه الظاهرة سجلت في كل أنحاء العالم، ولم تكن السعودية إلا جزءا منه، وبالتالي كان هذا الزخم الإعلامي نتيجة طبيعية ومتوقعة لهذا الحراك. في هذه الجزئية نحتاج إلى تغطية إعلامية لما صدر من إحصاءات وتقارير ودراسات لإثبات أن الحراك لا يدل أبدا على قصور، وإنما في كل عصر تبرز مواضيع تشكل تحديات تمر منها الجهات المعنية من عنق الزجاجة، والواعي هو من يساهم ويدعم ويقدر برأي أو فكر أو أي نوع من الدعم.
لا بد من النظر إلى هذا الكتيب الإحصائي على أنه قاعدة بيانات لا بد أن تستغل في كثير من الدراسات العلمية القادمة التي لو توسعت في الحدود الزمنية والموضوعية ستكون لدينا قراءة جديدة تنير للمجتمع طريق النقد والإشادة وطرح الرؤى بشكل يحسن تناولنا لقضايا التعليم العالي من الآن فصاعدا. لقد غطى الكتيب خلال السنوات الثلاث المواد التحريرية والإعلانية، حيث ظهر من الإحصاءات أن المواد الإعلانية 9 في المائة، فيما استحوذت المادة التحريرية باقي النسبة في التغطية الصحفية بواقع 91 في المائة. هذا يدل على أن الخبر والرأي وعرض الإنجازات في تقارير أو دراسات كان محرك الحركة الصحفية في هذه الفترة، وهو يدل على وعي اجتماعي كبير. يمكن ملاحظة تذبذب النتائج عبر السنوات الماضية، حيث لا تكون في انخفاض أو تصاعد مطرد، ولكن هذه في حد ذاتها مؤشرات جيدة لها مدلولات أخرى، حري بنا أن نحيطها بعناية واهتمام كبيرين.
وضحت الإحصائية أن الجامعات الأربع العريقة (جامعة الملك سعود، وجامعة الملك عبد العزيز، وجامعة أم القرى وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) مع وزارة التعليم العالي نفسها هم ما حظوا بجل التغطية والنشر الصحفي في الفترة المذكورة. موضوعيا؛ كانت هناك فروقات وتباين أكده انحراف بعض الأرقام بشكل بائن نحو ''الابتعاث وشؤونه'' ثم الأبحاث والمؤتمرات والندوات ثم مواضيع أخرى جعلت ''القبول والتسجيل'' يقع في المرتبة السابعة في ترتيب أهم المواضيع، مما أثار لدي شغف بتحري الأرقام التي خرجت منها، بعد ذلك أن ما تصدر في أيام وأسابيع خلال العام في السنوات الثلاث فترة التغطية الإحصائية في صحفنا المحلية من أن الجامعات أو الوزارة تواجه تحديا كبيرا في عملية القبول كل عام، كان مجرد تضخيم للموضوع ومحاولة في إيجاد قاعدة لمشكلة ليست حقيقية. الدليل الأولي هو أن الأرقام بيانيا لا تمثل قمما حقيقية، وبالتالي ليس له ثقل يذكر أمام خدمات قدمتها الوزارة كانت بمثابة الإعجاز في مواجهتها وأدائها حسبما تطلبه الوضع مثل المواضيع الستة التي سبقته في الاهتمام.
المركز الوطني للقياس والتقويم مع الابتعاث وشؤونه كقطاعات تابعة للوزارة شكلا محاور جذب للمواد التحريرية، الأمر الذي جعلهما يتساويان في حجم التغطية مع مجمل ما حرر في القطاعات الأخرى بأكملها. قد يشير ذلك إلى أن كل ما تكون نتائجه مفيدة وناجعة على المدى البعيد، لا بد أن يمر بضغط اجتماعي في بداية التنفيذ وخلال ذلك، وبالتالي على المسؤولين أن يتعاضدوا مع الإعلام على أن تسر الجهود في تبيان ما سيؤول إليه الموضوع ويتحول إلى إيجابيات على المديين القريب والبعيد.
مع أن هذه الصحيفة ''الاقتصادية'' صحيفة متخصصة وموجهة لشريحة معينة من المجتمع، إلا أنها حلت ثالثة في تخصيص كلمتها الافتتاحية عن التعليم العالي بين باقي الصحف المحلية. هذه الأهمية تشير إلى أن بين التنمية والتعليم العالي روابط وعلاقات لا تنفك، بل هي مؤصلة توجه اقتصاد الدولة نحو أهمية الاستثمار الحقيقي في الموارد البشرية. وللقراءة التحليلية تتمة.