معلقة امرئ القيس بين مغالطات المشككين وحقيقة التميز الإبداعي
رغم الأجواء الماطرة قبل عدة أيام التي قلصت حضور الأمسية الثقافية ذات العلاقة بمعلقة الشاعر الجاهلي امرئ القيس في ''أدبي الأحساء'' إلى امرأتين و20 رجلا، إلا أن الحضور كان فاعلا من الأساتذة الجامعيين المهتمين بتراث الشاعر امرئ القيس، التي وصف خلالها الدكتور عامر الحلواني المحاضر في جامعة الملك فيصل، معلقة امرئ القيس بالتفرد والامتياز على مستوى التراث الشعري.
وأشاد الدكتور الحلواني، بهذه المعلقة لكونها استطاعت أن تكون أول قصيدة تعلق على أستار الكعبة المشرفة أيام الجاهلية، حيث أخذت حيزا وافراً من عناية الباحثين المحدثين من العرب والمستشرقين، وترجمت إلى عدة لغات شملت اللاتينية، الإنجليزية، السويدية، الألمانية، والروسية، فضلاً عن شرحها والتعليق عليها وتحليلها وتأويلها.
ورأى الحلواني، الذي استعرض أبيات المعلقة، أن أغراض امرئ القيس في هذه المعلقة، تعددت ما بين الليل والماء والصيد والنساء، مستشهدا بصوره الشعرية من المعلقة ذاتها.
وانتقد الحلواني، عددا من المستشرقين الذين تسرعوا في نعت الملعقة بالتفكك والتشتت، وغياب الوحدة العضوية، وانعدام التوازن بين موادها المتنافرة، والقصور عن تجاوز التجسيد للمرئيات، وكان على رأسهم المستشرق رينولد نيكلسون، الذي لم يخالفه الرأي المستشرق الألماني ''نولدكه'' متسرعا بوصفه المعلقة بتناقض الأجواء العاطفية والنفسية السائدة، وأنها بلغت حدا من التشويش - في رأيه - يغري بإهمالها كلياً، حتى لو كانت مثال القصيدة الجاهلية بلا منازع.
وأوضح الحلواني، أن طه حسين، ومحمد زكي انتهجا نظرة المستشرقين ونسجا على منوالهم، مستنكرا كيف وصفت الذهنية العربية القديمة بعاهة تتسبب في الفوضى وانعدام النسق، مؤكدا في الوقت ذاته، أن الهدف من مقاربته ''السيمائية'' لهذه القصيدة، هو استئناف الحكم الذي أصدره هؤلاء النقاد في شأن القضية، - قضية الفوضى في المعلقة - معتبراً أنها متماسكة، عكس ما ذهب إليه النقاد المستشرقون والعرب، وأن ما يدعونه من فوضى، إنما يعكس تفاعل الذات المبدعة لدى الشاعر، مع نزعته التأملية في الكون، والوجود، وذهنيته التأليفية، إذ إن هذه المعلقة تعد شبكة من العلامات والدلالات الآخذ بعضها بأعقاب بعض.
ودلل الحلواني، على جمالية المعلقة، بقابليتها بتعدد القراءات والتأويلات، حيث تعد رهينة الجواب عن سؤال الوجود وقابلة للتأويل ''الأنطولوجي''، ومدخلاً من مداخل فهم الوجود.
وعن سبب نظم امرئ القيس هذه المعلقة، قال الحلواني ''ما وقف عليه بعض الباحثين أن القصيدة تعود إلى يوم ''دارة جلجل''، حيث ظهر امرؤ القيس لأبكار يستحممن في غدير، ومن بينهن ''عنيزة'' حبيبته ابنة عمه ''شرحبيل''، وإثر ذلك عقر لهن ناقته ونظم هذه المعلقة''.
في حين قال الدكتور ظافر الشهري - أحد الحضور - في مداخلته: إن المعلقة قيلت في رحلة لأمرئ القيس ما بين المجيمر وضارج والعذيل الجبال الواقعة بين بيشة ونجران، وهو خارج من بني أسد عائد إلى حضرموت.
وأشاد الدكتور الشهري، بالعودة إلى التراث والحاجة إلى إعادة النظر والقراءة، معتبرا أن القراءة التاريخية وتجزئة الأدب إلى عصور أدبية قد قتلت فيه كثيرا من الدلالات والمعاني، إذ يحتاج الجميع إلى دراسة الأدب العربي كمنظومة أدبية وفكرية واحدة من العصر الجاهلي وحتى يوم الناس هذا.