الحملة الوطنية لتعزيز الأخلاق المرورية
عُدت أحد الزملاء بعد أن أجرى عملية في عينه، نتيجة ارتفاع الضغط المفاجئ، وعندما استفسرت عن سبب هذا الارتفاع، قال حرب الشوارع، حيث جاء أحد المخالفين لأنظمة الدخول إلى الدوار مسرعا بشكل انتحاري، دون الاهتمام بالآخرين وأرواحهم وممتلكاتهم، ما دعاني إلى الغضب والتعامل معه بعصبية رفعت ضغطي، وما إن رجعت إلى المنزل حتى بدأت أرى نقاطا سوداء، فذهبت مسرعا إلى المستشفى الذي قرر لي عملية عاجلة للحفاظ على النظر.
هذه القصة وكثير مثلها، والتي وصل بعضها حد الشجار بالأيدي، واستخدام الأدوات الصلبة والحادة تشي بأن إحصائيات المرور التي تحصي القتلى (أكثر من 6500)، والمصابين (أكثر من 36 ألفا)، والأضرار المادية (أكثر من 20 مليار ريال) الناجمة عن الحوادث تعجز عن إحصاء المتضررين صحيا ونفسيا واجتماعيا من سوء الأخلاق المرورية لدى كثير من قادة السيارات، حيث مضاعفات أمراض الضغط والسكري، فضلا عن التعب والضغط النفسي الذي يعانيه الأصحاء يوميا بسبب المخالفات المرورية المقصودة بإصرار أو الناجمة عن ضعف الوعي، وما يترتب على الضغط النفسي من ردة أفعال سيئة تنعكس على من نتعامل معهم من مراجعين أو زملاء أو أفراد الأسرة.
سأروي لكم ما حدث معي ذات يوم عندما اضطررت لإحضار أبنائي من مدارسهم، ولكم أن تعددوا حجم المخالفات المرورية التي تعرضت لها من الآخرين، والتي تكفي لتدمير ''بعير'' صحيا، إذ تجعل الرجل يقف على أعصابه، ويتوتر، ويرتفع ضغطه، والسكري دون أدنى شك، وأكاد أجزم بأن هناك علاقة بين ارتفاع معدلات السكري والضغط في بلادنا وسوء الأخلاق المرورية.
فما إن خرجت وقت الزحام الشديد كما هي الحال أثناء خروج المدارس وعند الإشارة، وجدت السيارات تقف في ستة صفوف متداخلة متحاشرة بشكل عجيب في ثلاثة مسارب مرورية، ما يعني أن ثلاثة صفوف إضافية أحدها حشر بين الصفوف الثلاثة، واثنان من يمين ويسار مسارب الإشارة بطريقة منعت الحركة إلى المسار في أقصى اليمين والمسار في أقصى اليسار لمن يريدون الالتفاف إلى الاتجاه المعاكس، وهما مساران يمنع الوقوف عندهما، فمسارات الإشارة ثلاثة مسارات فقط، ولكم أن تتصوروا الصراع والضغط لتجاوز هذه الإشارة، حيث يجب عليك أن تكون ذئبا وإلا أكلتك الذئاب إذا كنت نظاميا، حيث ستغلق الإشارة أمامك من ثلاث إلى أربع مرات، بينما يمر المخالفون من المرة الأولى.
بفضل الله تجاوزت الإشارة خضراء بسلام دون أن يلتقطني ''ساهر'' الذي يثير الرعب هو الآخر في أنفسنا في هذا الزحام الذي نكاد نتصادم معه كل لحظة، وعندما أردت الدخول من الشارع الفرعي إلى الشارع الرئيس، إذا بدورية مرور تمنع الدخول بسلاسة، حرصا على انسياب حركة المرور في الشارع الرئيس، وعند الدورية تقف ثلاثة صفوف أقصاها يسارا صاحب الحق، واثنان مخالفان، وهما الأكثر حركة، فأين أقف؟ وقفت بشكل نظامي وطال انتظاري وخرجت من هذه الزنقة بعد التوكل على الله ومزاحمة الآخرين، مع التلويح لهم بيدي، كوني صاحب حق وأولوية.
ما إن أصبحت في الشارع الرئيس، اتجهت إلى أقصى اليسار بالسرعة القصوى، وهي 120 كم/الساعة، خوفا ممن يمشون كالسلحفاة وكأنهم الوحيدون في الشارع، وإذا بسيارة تلتصق بي من الخلف بشكل مستفز مخيف، وتطلق أضواء تشبه أضواء الدوريات، مع حركات من يد السائق تقول افتح الطريق بسرعة، وهو ما لم أتمكن من فعله، حيث إن السيارات أمامي وعن يميني، فأربكني أيما إرباك، ورفع ضغطي، ووترني، فرفعت له يدي طالبا منه التريث قليلا حتى أجد مخرجا لما أنا فيه من مشكلة، لكنه لم يعطني فرصة، وظل ملتصقا بي، حتى تمكنت من فتح الطريق له ليلتصق بالسيارة التي أمامي، ولو سألته: لماذا كل ذلك والذي لن يفرق معك في الوقت لما وجدت سببا مقنعا إطلاقا، فهي قلة أدب لا أكثر ولا أقل.
وعندما وصلت إشارة شارعها على يمينه رصيف عريض ملتصق بجدار طويل لإحدى الجامعات رأيت العجب، حيث إن السيارات أغلقت المسار الأيمن قبل الإشارة، ما أعاق حركة المرور، إذ يرغب من أغلق هذا المسار السقوط عند الرصيف رغم طوله على السيارات الواقفة نظاميا دون احترام لأنفسهم أو للآخرين، فعوض أصحاب سيارات الدفع الرباعي هذا المسار بالرصيف الذي اسوَّد لونه من الإطارات، وأصبح مسارا يغص بالسيارات التي ينتهي بها المطاف إلى النزول آخر الرصيف للشارع الرئيس، وفي هذا المشهد وقفت نظاميا وأمضيت أكثر من عشر دقائق وأنا أسأل الله السلامة والعافية.
أما عندما وصلت الدوار، فحدث ولا حرج، كأننا سيارات في مسعى، الكل يدخل على بعضه، ولا مانع من تلامس السيارات والاحتكاك الناقل للبوية من سيارة إلى أخرى دون اكتراث، وفي الدوار أفهم لماذا يقوم البعض بوضع صدامات إضافية لسيارته، إذ يتطلب اقتحام الدوار بشجاعة مثل هذه الصدامات المرعبة للآخرين.
الأمثلة كثيرة ومتعددة، وهذا ما نعانيه من ضعف في الأخلاق المرورية كلما خرجنا إلى الطريق، ولي أن أتساءل: لماذا نحن كذلك ونحن أمة جاء رسولها - صلى الله عليه وسلم - ليتمم مكارم الأخلاق ودينها المعاملة، فالأخلاق المرورية - لا شك - جزء من الأخلاق الشخصية للفرد وأخلاق المجتمع بشكل عام، ولي أن أتساءل أيضا: هل هذا الحجم الهائل من المخالفات يعود إلى ضعف الأخلاق أم ضعف الوعي؟ من جهتي أعتقد أن كلا السببين قائم، فما الحل؟
الحل أن تُنظم حملات توعوية مرورية وطنية سنوية يخططها المرور وتشارك فيها وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، وأمانات المدن وبلدياتها، حيث يتم تناول قضية مرورية سنويا، حتى تتم تغطية جميع قضايا المرور الأخلاقية خلال عشر سنوات بحد أقصى، فسنة للإشارة، وثانية للسرعة، وثالثة للخطوط الأرضية، ورابعة لحقوق المشاة، وخامسة للدوار، وسادسة للوقوف السليم، وسابعة للأولويات المرورية، مع التأكيد على الأخلاق المرورية كأحد أهم عناصر قيادة السيارة، فالقيادة فن وذوق وأخلاق.