تنظيم مؤسسات الإقراض المتخصّصة ومراقبة أعمالها

رغم الدور الريادي الذي تؤديه مؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية في أداء دورها التنموي الريادي في دعم العملية التنموية السعودية، إلا أن التوسع في إنشائها سيقودنا إلى تأسيس قطاع تمويل حكومي مواز للقطاع المصرفي الأهلي. وإذا ما فعّلت هذه المؤسسات أنشطتها الاستثمارية التي تتيحها لها أنظمتها الأساسية، فإننا سنصل إلى قطاع حكومي آخر يعنى بالاستثمار ومواز للقطاع الاستثماري الأهلي. ليس التحفظ هنا في وجود قطاعات حكومية تمويلية واستثمارية موازية لقطاعات تمويلية واستثمارية أهلية. بل بالعكس من ذلك فالتوسع في مؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية سيتيح لجميع أفراد المجتمع السعودي الطبيعيين والاعتباريين التنوّع في الخيارات المتاحة أمامهم لتمويل مشاريعهم واستثمار مدخراتهم. ولكن التحفظ هنا ينطلق من وجود هذه القطاعات الحكومية الموازية دون وجود هيئة حكومية تشرف على مؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية وتراقب أعمالها وترسم خارطة طريقها نحو دورها التكاملي في العملية التنموية السعودية.
هيئة حكومية تتمتع بشخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري تهدف إلى وضع إطار تنظيمي ورقابي وإشرافي لقطاعات التمويل والاستثمار الحكومية الموازية بما يساعد مؤسساتها على التماشي مع تواجهات العملية التنموية السعودية. وعلى الرغم من الدور الذي تؤديه وزارة المالية في هذا الجانب والوزارات الأخرى ذات العلاقة، إلا أن إسناد هذه المهام التنظيمية والرقابية والإشرافية لإحدى الهيئات الحكومية المستقلة القائمة سيعطي قطاعات التمويل والاستثمار الحكومية الموازية مرونة صناعة القرار ومساحة العمل التنموي. مرونة صناعة قرار ومساحة عمل نشاهدها على سبيل المثال في الدور الذي تؤديه مؤسسة النقد العربي السعودي في قطاعي المصارف والتأمين، وفي الدور الذي تؤديه هيئة السوق المالية في قطاع الاستثمار.
من الأهمية قبل الإسهاب في الموضوع تحديد مؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية المعنية. والمقصود بهذه المؤسسات، أولاً، صندوق التنمية الزراعية الهادف إلى دعم التنمية الزراعية واستدامتها عن طريق تقديم التمويل المالي الميسّر والتسهيلات الائتمانية اللازمة. وثانياً، صندوق الاستثمارات العامة الهادف إلى المشاركة في إنشاء المشروعات الإنتاجية التجارية ذات الأهمية الكبيرة في تنمية الاقتصاد الوطني التي لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها منفردًا لقلة خبرته أو رأسماله أو كليهما معاً. وثالثاً، البنك السعودي للتسليف والادخار الهادف إلى دعم التنمية الاجتماعية عن طريق تقديم التمويل المالي للمنشآت الصغيرة والناشئة والحرفية، وكذلك التمويل المالي الاجتماعي لذوي الدخول المحدودة من المواطنين دون فوائد. ورابعاً، صندوق التنمية الصناعية السعودي الهادف إلى دعم التنمية الصناعية عن طريق تقديم تمويل مالي متوسط وطويل الأجل دون فوائد للمنشآت الصناعية. وخامساً، صندوق التنمية العقارية الهادف إلى دعم التنمية العمرانية عن طريق تقديم تمويل مالي متوسط وطويل الأجل للأفراد والمؤسسات لإقامة مشروعات عمرانية للاستعمال الشخصي والتجاري.
يضاف إلى هذه المؤسسات الخمس مؤسستان لا تقلان أهمية عنها في دعم العملية التنموية السعودية. الأولى برنامج دعم الصادرات التابع للصندوق السعودي للتنمية الهادف إلى دعم الصادرات الوطنية غير النفطية عن طريق تمويل تلك الصادرات وضمانها. والثانية، صندوق تنمية الموارد البشرية الهادف إلى دعم جهود تأهيل القوى العاملة الوطنية وتوظيفها في القطاع الخاص عن طريق منح إعانات وتمويل مشاريع تأهيل القوى العاملة.
تواجه مؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية تحديات استدامة في أداء دورها التنموي الريادي في العملية التنموية السعودية. يشير التقرير الأخير لمؤسسة النقد العربي السعودي إلى التطور السريع في المراكز المالية بنهاية 2010 لهذه المؤسسات. حيث بلغ إجمالي موجوداتها قرابة 308 مليارات ريال وبمعدل نمو سنوي قرابة 5 في المائة خلال 2001 ـــ 2010. وبلغ إجمالي قروضها قرابة 178 مليار ريال وبمعدل نمو سنوي قرابة 4 في المائة خلال 2001 ـــ 2010. وبلغ إجمالي مصروفاتها قرابة 276 مليار ريال وبمعدل نمو سنوي قرابة 8 في المائة خلال 2001 ـــ 2010. كما بلغ المعدل السنوي لإجمالي صافي قروضها قرابة سبعة مليارات ريال خلال 2001 ـــ 2010. يستثنى من هذه الأرقام إحصاءات برنامج الصادرات السعودية التابع للصندوق السعودي للتنمية، وصندوق تنمية الموارد البشرية، والزيادات الأخيرة في رساميل بعض مؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية لعدم توافر تفاصيلها.
يقودنا النقاش في الدور التنموي الذي تؤديه مؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية وتحديات الاستدامة التي تواجهها إلى النظر فيما تم نقاشه هذه الأسبوع داخل أروقة مجلس الشورى. حيث تقدمت لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة بمقترح إنشاء برنامج وطني لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة تتولى هيئة عامة مقترحة أيضا بمسمى الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة إدارته وتشغيله. وعلى الرغم من الأهداف الطموحة لهذه الهيئة العامة المقترحة، إلا أن البرنامج المقترح سيركز على التحديات التمويلية التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة فقط دون معالجة تحديات أهم تتمثل في توجيه هذه المنشآت نحو أداء دورها التكاملي مع المنشآت الكبيرة في القطاعات الإنتاجية الوطنية. تحديات ستشكل أعباء هيكلة إضافية لقطاعات التمويل والاستثمار الحكومية الموازية دون معالجة التحديات القائمة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، بشكل خاص، وتحديات مؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية، بشكل عام.
فالمنشآت الصغيرة والمتوسطة تواجه مجموعة من التحديات يندرج معالجة كل تحدي ضمن مهام مؤسسة إقراض متخصصة حكومية مستقلة. على سبيل المثال التحديات التي أشارت دراسة صادرة قبل عامين من الغرفة التجارية الصناعية في الرياض إلى التحديات الرئيسة التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة. يوجد تحدي ''الإجراءات الحكومية'' على أعلى القائمة كأشد تحد بتشكيله قرابة 20 في المائة من مجموع التحديات. فتحدي ''الحصول على التمويل المالي'' في المرتبة الثانية من قائمة التحديات بتشكيله قرابة 18 في المائة من مجموع التحديات. ثم تحدي ''تسويق الخدمات والمنتجات'' في المرتبة الثالثة من قائمة التحديات بتشكيله قرابة 16 في المائة من مجموع التحديات. ثم تأتي التحديات الباقية تباعاً، تحدي ''وجود العمالة المناسبة'' بنسبة 13 في المائة، فتحدي ''تواضع المعرفة الفنية'' بنسبة 13 في المائة أيضاً، فتحدي ''إدارة المنشأة'' بنسبة 10 في المائة، وأخيراً، تحدي ''الحصول على المعلومات الاقتصادية اللازمة'' بنسبة 10 في المائة أيضاً. ومؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية كذلك تواجه تحديات تقليل الاعتماد على الدعم الحكومي بما لا يؤثر في تكلفة تسهيلاتها الائتمانية المقدمة.
إن معالجة هذه التحديات لا يمكن أن تتم من خلال توفير التمويل المالي في ظل وجود ازدواجية وتداخل في الأدوار بين مؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية. وإنما مثل هذه التحديات تتم عن طريق زيادة التنسيق فيما بينها دون زيادة التكلفة ما من شأنه توظيف موارد هذه المؤسسات بشكل أكثر فاعلية نحو تحقيق دور تكاملي في العملية التنموية السعودية. دور محوري لا يمكن أداؤه إلا من خلال إسناد هذه المهام التنظيمية والرقابية والإشرافية لإحدى الهيئات الحكومية المستقلة القائمة بما يمكن من وضع إطار تنظيمي ورقابي وإشرافي لهذه القطاعات الحيوية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي